الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب: كُن صديقى

صدى البلد

ما زلنا نتعلم كل يوم من دروس الحياة وتجاربها التي لا بداية لها أو نهاية ، فالملل أصبح سلاح حديث يواجه العالم بكل قوة فبعد أيام طوال في العزلة خرجنا من كهوفنا واكتشفنا أننا لا نجيد لغة الحديث مع الآخرين أو المحيطين ، نتلعثم في أبسط الحروف ، نلتزم بالتباعد فتضيع المعانى بين الأمتار الاحترازية ، فكل يوم نسمع عن وباء جديد مَن لم يَمُت به مات بغيره ، بات لا يشغلنا من مات ،فتعداد الوفيات في تزايد والسبب واضح حتي إن لم يكن هو السبب في الوفاة ، فعشرات الزجاجات والعقاقير بجوار فراشى ،بعضها يساعد على النوم والآخر يساعد على تدعيم المناعة ،فلم تعد ذات أهمية الآن .ولكن كل ما يخطر ببالى إذا كان لا بدّ لي أن أموت، فهل يمكنني أن آخذ صديقي معى. 

الصديق طائر بلا أجنحة ، ليس تمثال أوهيكل من الطين لم ينحت بعد ، أو نسخ رخامية مقلدة بهياكل نصفيه ممسوخه يصعب على المشاهد ايجاد شبيهًا لها . فلا تتمكن من أن تمشِى أمامه فربّما لا يستطيع اللّحاق بك ، أو تمشِى خلفه فربّما لا يستطيع القيادة، ولكن تتمنى أن يكون بجانبك وظلك . كنا في فجر الشباب ولى أصدقاء طفولة فرقت بيننا الدراسة الجامعية وتواصلت بيننا الصداقة وتعمقت أكثر ، وأنهى كلًا منا دراسته فأصبحنا نتزاور في مواعيد شبة دورية ، أيام ليست من حساب العمر نسهر نتسكع ليلًا ونذهب إلى العمل في الصباح ،نترنح من آثار قلة النوم ،وأسال نفسى كيف أستطيع أن أعمل دون أخطاء برغم أننى في غاية الإرهاق ؟ حتى أدركت أنها الطاقة التي استمدها من تلك الأوقات السعيدة والضحك من القلب في كل لفته أو بادرة ، والاستمتاع في قمته بكل شيء نتحدث فية أو نمارسه ، فنحن فى مهرجان دائم لا مناسبة له وحديث الذكريات الضاحكة متواصل ، ولا هم لنا إلا الاستمتاع بالصحبة أو المشاغبة بصديق آخر ، فنتآمر عليه لتوريطه في دعوة عشاء أو إفطار ، أو مكايدته باسترجاع ذكرى معينة لا يحب استرجاعها ، وهذة المؤامرة غير مستمرة ، فحليف اليوم قد يصبح خصم الغد حيث تتغير التحالفات والنتيجة واحدة في كل الأحوال وهى مزيد من الاستمتاع بالصداقة الصافية و المواقف الطريفة التي تضاف إلى تراثنا الضاحك .فالروح تسرى فينا بنغمة واحدة حتى في تلك المواقف الصغيرة التي تركت أثرًا في أنفسنا وتفكيرنا و رؤيتنا للحياة في طفولة لم تكن تعترف فيما بيننا بالفوراق الاجتماعية . كنا نقيم عند أحد الأصدقاء ملقون في كل مكان كعلب الصفيح المبعثرة في الصحراء . نعود إلى البيت ونعنف بصوت أوبرالى على إضاعة الوقت بعبث ورعونه . حتى وصلت أقصى الأمانى في ذلك الوقت أن يتفتح عقل الوالدين ويتفهما جيدًا حقائق الحياة وأن يتنازلا عن أي بدعة تحرمنا من كل صديق حميم . 

أثبتت تجارب العمر ودروس السنين أن الأرواح جنودًا مجندة ،من تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف و أن باب الغرباء مازال مفتوحًا على مصرعيه ، فالإنسان لا يكون فقيرًا أو وحيدًا أبدًا وهناك صديق يحبه ويخلص له ويحرص علية . فالبعض يسعى دائمًا أن يبني صداقات كثيرة حتى تكون له عون كلما ضاقت به الدنيا لتهون عليه مرارة الحياة ويُقبِل عليها ، فالصداقة أفضل وقاية من الصدمات والفيروسات وكل الأوبئة ، لأن العلاقة فيها تتم عن تراض و تعاطف و حب و ثقة بدون غرض أو أجر ، الصديق طبيب عظيم لا يقدر وجوده بثمن له لمسة مخدرة تعبر بك إلى بر الأمان ، فاحتفظ بصديق تفتح له قلبك وتكشف له خباياك وجروحك ، صديق تغضب معه ، وتثور معه ، يكن حق الصديق .... فكن صديقى .