الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجاحظ من بائع سمك إلى مؤسس علم الأدب العربي

الجاحظ
الجاحظ

يعد الجاحظ من كبار أئمّة الأدب فهو إمام الأدباء في العصر العباسي الثاني وأمام اهل الخطابة السياسية ورادها .

هو أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني البصري، ولد في البصرة عام 159ه ونشأ فقيرآ ويتيمآ وهذا ما حال دون تفرغه لطلب العلم وحتى يقوى على المعيشة اصبح يبيع الخبز والعيش فيالأسواق ولكن شغفة بلعم لم يستطع الفقر أن يمنعه منه فكان يبيع السمك في الصباح ويجلس أمام دكاكين الوراقين في الليل ويقرأ منها ما يستطيع .

وعرف عنه الجد والصرامة وذكاءه وسرعة بديهة ورأى جيد ولكن اشهر ما يعرف عن الجاحظ ان كان غير جميع الوجه ويعود لقب الجاحظ ناتج عن بروز عينية وجحوظها ومن هنا جاء لقبه واشتهر عنه أيضا خفة الروح وميله إلى الهزل والفكاهة ونستطيع ان نجد ذلك في مؤلفاته بكل سهولة على اختلاف مواضيعها لا تخلو من الهزل والفكاهة .

وألف الجاحظ نحو ما يقرب من 360 مؤلف ً وترك كتبًا كثيرة يصعب عدها، وإن كان البيان والتبيين وكتاب الحيوان والبخلاء أشهر هذه الكتب كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة وغيرها. 

قال عنه ابن خلدون كلمته الشهيرة عند الكلام على علم الأدب: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة كتب هي: أدب الكاتب لابن قتيبة، كتاب الكامل للمبرد، كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الأمالي لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها.» ومن هنا نستطيع ان نؤكد على سمو مكانة الجاحظ وسط العلماء . 

وكان الجاحظ يحضر الدروس في المسجد، ومن هنا اتصل بالشيوخ والأئمة آنذاك وأخذ عنهم ، كما خالط أعلام الترجمة والكتابة وقرأ ما تيسر له من الكتب المترجمة أيام المنصور والرشيد والبرامكة والمأمون، ومن الجدير بالذكر أن المكتبات العامة لم تكن متوفرة في تلك الفترة أي في أواخر القرن الثاني للهجرة، كما كانت الكتب نادرة وغالية جدًا، فلم تكن إمكانيات الجاحظ المادية تسمح له بشرائها، لذا كان يحصل عليها عن طريق أساتذته وأصدقائه الذين كانوا يضعون مكتباتهم تحت تصرفه
فقد تتلمذ على أيدي فحول العلم والأدب حينذاك، فقد أخذ اللغة والأدب عن الأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي يزيد الأنصاري، والنحو عن الأخفش، والحديث عن حجاج بن محمد، وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ثمّ تثقف ثقافة الاعتزال وكان أهم أستاذ له في ذلك النظّام، فكان المعتزلة يهتمون بالاطلاع على الديانات الأخرى ومعرفتها جيدًا لأنّهم جعلوا من أنفسهم دعاةً للإسلام، وكانوا يعتقدون أنّ عليهم أن يكونوا على معرفة تامة بدينهم وبالديانات الأخرى، فدرسوا الفلسفة اليونانية لأنّ أعدائهم كانوا قد اتخذوها وسيلةً للدعوة إلى دينهم، لذا درسوا ثقافة أرسطو وما فيها عن علم الحيوان، وصبغوها بطابعهم الديني.

وكان الجاحظ حكاية طريفة ومضحكه منها انه فى ذات يوم كان جالس في السوق فإذا بسيدة تدخل عليه وقالت له: “إنها تحتاج إليه في خدمة وتطلب منه أن يأتي معها، فذهب معها حتى محل صائغ وما إن وصلا حتى قالت للصائغ: “مثل هذا تماما” وذهبت، فوقف الجاحظ في حيرة ماذا تقصد بمثل هذا؟ فسأل الصائغ ماذا تعنى السيدة بكلامها؟، فقال له الصائغ: “اعذرني فيما أقول فقد طلبت السيدة منى نقش صورة الشيطان على بضاعتها، فلما سألتها ومن يعرف شكل الشيطان قالت لي: “إنها ستحضر لي واحدا يشبهه”

وكان الجاحظ يروى هذه القصة ضاحكا دائما فلم يغضب ولم يشعر بالضيق مما فعلته السيدة بل كان واسع الصدر وكريم الخلق، حتى اشتهرت القصة بين نوادر الأدب العربي.

ومن شدة تعلق الجاحظ بالكتب والمعرفة والعلم كانت الكتب سببا في وفاته فقد عاش الجاحظ عمر طويل مديد يقدر 95 عام وأصيب في نهاية حياته بمرض الفالج وهو الشلل النصفي وكان يقول عن نفسة (اصطلحت على جسدي الأضاد، إن أكلت باردًا أخذ برجلي، وإن أكلت حارًا أخذ برأسي، وكان يقول أنا جانبي الأيسر مفلوج، فلو قرض بالمقاريض ما علمت به، ومن جانبي الأيمن منقرس فلو مر به الذباب لألمت، وبي حصاة لا ينسرح لي البول معها، وأشد ما علي ستٌ وتسعون سنة) وهذا يعكس شدة المرض الذى عانه الجاحظ في أواخر عمره ، وعلى الرغم من كل هذا كان ما زال يتعلم ويقرأ فقد مات تحت كتبه بعد ما انهارت علية مكتبته التى كان يجلس تحتها يطلع على بعض الكتب فوقع عليه صف من الكتب أردته ميتًا، لقد مات الجاحظ مدفونا بالكتب والمجلدات، مخلفًا وراءه كتبًا ومقالات وأفكارًا ما زالت خالدةً حتى الآن .