إيمان راغب تكتب: خواطر من الساحل الشمالي

تلك هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالزهد من الاقتراب للبحر إلى هذا الحد طالما كنت أسرع لأرتمي بين أحضانه وأترك مياهه تخترق كل ذرة في روحي وكأنما تطهرني وتخلصني من شوائب الفكر والتفكير.

أما الآن ها أنا جالسه أنظر إليه أشعر وكأنني جردته من أقنعته وأيقنت أنه ما هو إلا انعكاس آخر للحياة بكل ما فيها
أشعر تجاهه بالشعور ذاته الذي أشعر به تجاهها أود الفرار منه والابتعاد عنه فقط أتلذذ بالمشاهدة من بعيد
تلك الحياة التي تكشف كل يوم عن شيء سيئ آخر فيها في قواعدها في أسسها في ألعابها التي لا تصلح للصادقين والمخلصين
ثمة اختلال يحدث في النفس البشرية ينمو يوماً بعد يوم تتأصل جذوره وتضرب عنانه السماء بشرقها وغربها
فشعرت وكأنما البحر انعكاس لتلك الحياة في شكل صامت بلا كلمات وحدها صوت موسيقي أمواجه من تتحدث لكنك أن تأملتها ستستمع بين ثناياها ألف حكاية وحكاية
سيمفونية من قصص الألم والشجن والضعف والقوة
ربما نظرتي إليه بهذا الشكل في تلك المرة هي من ملأتني بالزهد في الاقتراب منه
جلست من بعيد أراقبه أستمع إليه وكأنني أرى الحياة بكل صورها أمامي وأنا التي أتت لترتمي فيه هرباً منها
كيف يمكن لرب عظيم أن يخلق لنا انعكاسات كل شيء بشكل آخر
ما علينا إلا أن نمعن النظر
لنرى كم نحن صغار في كون فسيح ولنتاكد أن أشرار القوم
وإن بلغت قوتهم ستأتي أمواج أقوى وأشد فتدهسهم وتجعل حطامهم بين ذرات الرمال
أما عن الضعفاء منهم فليسوا بحاجة إلا أن يرتموا بين أمواج الحياه لتنهش أرواحهم وتجعلها تتآكل يوماً بعد يوم
ولا سبيل إلى الخلاص سوى أن تصاحب البحر وأن تحب أمواجه وأن تستمتع بصمته وتتلذذ بصوت موسيقاه، وأن تحب مده وجذره على حد سواء.