الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السياسة والتكنولوجيا النظيفة.. هل يتحول المناخ إلى ساحة حرب جديدة بين الولايات المتحدة والصين؟

علما الولايات المتحدة
علما الولايات المتحدة والصين

عندما كانت جملة تغير المناخ تذكر عام 2015، كان سامعها أو قارئها يفترض أن معناها الأثر المباشر للاحتباس الحراري وتوابعه، وكان المتخصصون قلقون من إمكانية أن تؤدي ظواهر مثل الجفاف والفيضانات المدمرة إلى موجة نزوح بشرية كبيرة، بشكل يهدد استقرار الدول الغنية أو إثارة النعرات القومية لدى اليمين المتطرف، أو أن تتسبب المجاعات في ارتفاع أسعار الغذاء، واندلاع الثورات والحروب الأهلية والصراعات على الموارد كما كان يحدث سابقا.

التقدم في مكافحة تغير المناخ

لكن عالم 2022 يختلف عن عالم 2015، فمعظم دول العالم حققت تقدمًا ملحوظًا في سعيها لتجنب أسوأ السيناريوهات المناخية منذ ذلك الحين، فقد فرضت كندا ضرائب على الأنشطة كثيفة الانبعاثات الكربونية، وأبرمت دول أوروبا ما يعرف بـ "الاتفاق الأخضر" الذي يهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 55% بحلول عام 2030 وتحييد أوروبا من المساهمة في تلويث المناخ بحلول عام 2050، ومحاولة التوفيق بين دعم الاقتصاد وأهداف الاستدامة البيئية، كما تسعى الولايات المتحدة للسيطرة على أزمة التضخم، وبفضل جهود إنهاء استعمال الفحم، أصبح من الممكن تجنب ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 4.9 درجات مئوية بحلول نهاية القرن كما كان متوقعا.

وتكللت الجهود المبذولة خلال السبع سنوات الماضية بإعلان ألمانيا الشهر الماضي إضافة هدف التخلص من الكربون إلى ثالوث التنوير بها والذي يشمل الديمقراطية والتنوع وحماية المناخ، ولم تنعدم مخاطر نشوب حروب بسبب تغير المناخ نهائيا، لكنها شهدت تحولا لافتا، حيث تبنت الكثير من الدول خططا طموحة للتحول إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة في دفع عجلة الاقتصاد، لكن الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف في حد ذاتها قد تؤجج الصراع.

وأدرك دعاة حماية المناخ أن مصادر الطاقة المتجددة والتخلص من الكربون والاقتصاد الأخضر ما هي إلا خطوات جديدة على طريق التطور التكنولوجي، ورغم إشادتهم باستخدام أوكرانيا للدراجات الإلكترونية والطائرات المسيرة في مهاجمة الدبابات الروسية، إلا أن هذا الاستخدام المزدوج للتكنولوجيا في كل من الحرب والسلم يعني أنها ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها لأي دولة تسعى للحفاظ على أمنها.

الولايات المتحدة والصين.. الحرب التجارية لا ترحم

ولطالما استخدمت كل من الولايات المتحدة والصين التكنولوجيا مزدوجة المنفعة في المنافسة التجارية بينهما، وقد حظرت الإدارة الأمريكية الشهر الماضي بيع معدات التصنيع وأشباه الموصلات الحديثة إلى الصين، كما حظرت عمل المواطنين الأمريكيين وحاملي تصاريح الإقامة الأمريكية من العمل في الصناعات الصينية، وقال إريك ليفيتز في مقال له في مجلة "نيويورك ماجازين" إن القرار الأمريكي يعد بمثابة إعلان حرب اقتصادية، حيث تهدف سياسة الولايات المتحدة إلى منع الصين من تحقيق أهداف تنموية كأولوية قصوى.

ومن الخطأ الاعتقاد أن أشباه الموصلات ضرورية للتخلص من الكربون، حيث يتطلب التحول إلى الاعتماد على الكهرباء كمصدر للطاقة التوسع في استخدام أشباه الموصلات، كما تدخل رقائق الحواسيب الآلية في صناعة السيارات الكهربائية والدرجات الإلكترونية وسخانات المياة والمواقد.

ويعد التطوير المستمر لرقائق الحواسيب الآلية وبرامج تشغيل بطاريات السيارات إحدى أهم الوسائل التي يلجأ إليها صانعو السيارات الكهربائية لخلق ميزة تنافسية لمنتجهم في الأسواق، ورغم أن أشباه الموصلات التي شملها قرار الحظر الأمريكي أكثر تطورا من نظائرها الرخيصة اللازمة للتخلص من الكربون، إلا أن هذه الخطوة يمكن اعتبارها مثالا على إمكانية تحول المنافسة الاقتصادية بين الدول إلى حرب عسكرية.

حرب حتى على المناخ

ولطالما اعتبرت كل من الولايات المتحدة والصين السياسات المناخية مجالًا للتنافس الدبلوماسي بينهما، ويعد تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج باستهداف الصين الوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2060، والذي أعلن عنه قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020 بأقل من شهرين هو أهم إعلان دولي خلال السنوات الأخيرة، وكان ينظر إليه باعتباره رسالة توبيخ موجهة إلى إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكان لي شو وهو محلل متخصص في شئون المناخ قد قال في حوار صحفي أجرته معه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن إعلان الرئيس الصيني يوضح رغبته في استغلال قضية المناخ لتحقيق أغراض جيوسياسية.

وقد أفادت المنافسة الولايات المتحدة في تطوير سياستها، فبفضل قوانين الحد من التضخم التي تم تمريرها جزئيا بسبب رغبة المشرعين الأمريكيين في عدم إفساح المجال للصين للسيطرة على صناعة التكنولوجيا النظيفة، تخطط الولايات المتحدة لدعم الألواح الشمسية محلية الصنع على نطاق واسع، ومن المتوقع أن تنتعش هذه الصناعة وأن تتوفر الألواح الشمسية في الأسواق بأسعار زهيدة خلال عقد من الآن.

ورغم أن هذه الخطوة قد تتسبب في خسائر اقتصادية فادحة، إلا أنها ستصب في صالح الحفاظ على المناخ، وإذا دفعت المنافسة الجيوسياسية الولايات المتحدة لدعم صناعة الطاقة الشمسية، فلربما يساعد هذا على ازدهار العمل المناخي وليس إعاقته، ولن تقتصر منافع استخدام الطاقة الشمسية على تسريع عملية التخلص من الكربون فحسب، بل ستشجع الشركات على تطوير أساليب جديدة للتحول إليها كبديل عن الوقود الأحفوري.

هل يمكن أن تشعل التكنولوجيا النظيفة حربا؟

ويأتي الخلاف بشأن تايوان على رأس الأسباب المحتملة لاندلاع حرب شاملة بين الولايات المتحدة والصين، لكن لا ينبغي إغفال الحرب التجارية التي تتسبب فيها رغبة السياسيين في تطوير صناعة التكنولوجيا النظيفة محليا، حيث قد تؤدي إلى تدهور العلاقات بين البلدين ودفعهما نحو مواجهة صفرية.

ولا يمكن القول إن خطر نشوب حرب بسبب المناخ قد تلاشى تماما، وقد أظهر العام الماضي مدى تأثير الظواهر المناخية كالجفاف على ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومعدلات التضخم ونقص الغذاء عالميا، ويرى دان وانج وهو محلل تكنولوجي في مؤسسة "جافاكل" الصينية للأبحاث الاقتصادية، أن مصادر الطاقة التقليدية كالوقود الأحفوري يمكن أن تلعب دورا أكبر من دور الطاقة النظيفة وتكنولوجيا المناخ في اندلاع هذه الحرب المحتملة.

ولا تزال الصين تعتمد على استيراد النفط والغاز الطبيعي من الخارج وتحديدا من الولايات المتحدة بشكل أساسي، وفي حال قررت الولايات المتحدة وقف تصديرهما للصين على غرار وقف تصديرها النفط لليابان في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، سيزيد هذا من مخاطر اندلاع الصراع.

ويطالب دعاة الحفاظ على المناخ بوضع قضيتهم في القلب من صناعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وقد نجحوا نوعا ما في تحقيق هذا الهدف، حيث وضعت الولايات المتحدة والصين وبعض الدول الأوروبية التخلص من الكربون على رأس قائمة أهدافها المستقبلية، لكن لا يزال الطريق الذي يتعين على هؤلاء النشطاء قطعه في سبيل تحقيق كامل أهدافهم طويلا.