قال الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي ، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، إن الناس لم يسمعوا كلاماً قط أعمّ نفعاً ، ولا أقصد لفظاً ولا أعدل وزناً ، ولا أجمل مذهباً ، من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم –.
كلام رسول الله
وأوضح " الحذيفي" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن هذا المنبر النبوي كان منطلق بيان رسالة الإسلام ، ومنبر دعوته ومطلع شمسه ، من مشرق هجرته إلى مغرب الدنيا ، ومنه خطب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فوجِم البلغاء ، وأطرق الفصحاء ، وأُفحم الخطباء ، وأصاخت أُذن الزمان إلى منطق يفيض بالبيان .
وتابع: ويموج بالرحمة ، ويتضوع بالعدل ، وينضح بالصدق ، يتخلل حنايا الصدور ، ويستجيش خبايا النفوس، مشيرًا إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، كان يتكلم بالكلام الذي ألقى الله عليه المحبة ، وغشّاه بالقبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة وبين حسن الإفهام ، وقلة عدد الكلام ، مع استغنائه عن إعادته .
وأضاف: وقلة حاجة السامع إلى معاودته ، لم تسقط له كلمة ، ولا زلت به قدم ، ولا بارت له حجة ، ولم يقم له خصم ، ولا أفحمه خطيب ، بل يبذ الخطبَ الطوال بالكلم القصار ، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم ، ولا يحتج إلا بالصدق ، ولا يطلب الفَلَج إلا بالحق ، ولا يستعين بالخِلابة ، ولا يستعمل المواربة ، ولا يهمز ولا يلمز ، ولا يبطئ ولا يعجل ، ولا يسهب ولا يحصر ، ثم لم يسمع الناس كلاماً قط أعم نفعاً ، ولا أقصد لفظاً ولا أعدل وزناً ولا أجمل مذهباً ، ولا أكرم مطلباً ، ولا أحسن موقعاً ، ولا أسهل مخرجاً ، ولا أفصح معنى ، ولا أبين في فحوى ، من كلامه - صلى الله عليه وسلم -.
المنبر صهوة
ونبه إلى أن المنبر صهوة ينبغي أن يرتقيها من كان رابط الجَنان ممسكاً بعنان البيان ، جامعاً لذلك عُدةَ العلم مثقفاً لذلك رماح الرأي ، متدرّعاً بالإخلاص لله في حاله ومقاله ، فهو من أعظم وسائل البلاغ عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - والنصح لله ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ، والتذكير بما يجب التذكير به من العلم النافع والعمل الصالح على منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهج سلف هذه الأمة - رضوان الله عليهم -.
وأشار إلى أن دعوة الإسلام لا تقتصر على وسيلة المنبر وحده ، فلا تقف دونه ولا تنتهي إليه ، بل هي رسالة تتجلى في جميع جوانب حياة المسلم ، دعوة وعملاً وعقيدة وأخلاقاً ، فعن سعد بن هشام بن عامر ، قال: أتيت عائشة ، فقلت: يا أم المؤمنين ، أخبريني بخلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قالت: "كان خلقه القرآن".
صاحب الكلمة الصادقة
وأفاد بأن صاحب الكلمة الصادقة حين تختلط حروف بلاغته وبيانه بروحه وعقيدته وإيمانه تشرق كلماته في النفوس والأرواح إشراقة شمس الضحى ، وحين تخرج الكلمات خابيةً خامدةً لا روح فيها من روح المتكلم تخرج ميتةً هامدةً ، مضيفاً أن روح المتكلم تصطبغ بها كلماته وعباراته اصطباغ الزهر بألوانه ، والربيع بأثماره ، والزجاج بشرابه ، وهنا يتجلى الصدق وتلوح أماراته ، فلا تزويق الألفاظ يحرك القلوب ، ولا تنميق العبارات يشعل النفوس ، ما لم توقد جذوتها بحرارة الصدق.
وبين أن للكلمة في منابر التأثير التي تعدّدت في عالم اليوم خطراً أي خطر وأثراً أي أثر ، ولا سيما من هشّت إليه الأسماع ، وارتاحت له القلوب ، ورزقه الله حسن الإبانة عن مراده ، وآتاه حظاً من القبول بين عباده ، فإنها حينئذ أمانة ثقيلة الإد على حاملها ، عظيمة المؤاخذة على قائلها ، تستوجب على المتكلم أن يزنها بميزانها ، وأن يحلها في مكانها ، فربما كانت كالغيث إذا انهلت غواديه ، أوك انت كالسهم يُصمي إذا أخطأ راميه ، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).