يبدو أن هناك قواعد جديدة سوف تحكم تجارة الحبوب حول العالم، وبعد أن كان هناك توافق دولي حول الاتفاقية الدولية لتجارة الحبوب حول العالم، كقواعد تنظم تلك التجارة بين الدول، إلا أن حرب أوكرانيا وروسيا، كان بمثابة أول مسمار في نعش تلك الاتفاقية، وقد كان قرار مصر بالخروج من تلك الاتفاقية، وآلية إقرار تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، خير دليل على القواعد الجديدة التي بدأت تفرض على دوليا بخصوص تلك التجارة.
اتفاق البحر الأسود حائر بين 60 و120 يوما
ومع قرب انتهاء مدة الاتفاق الحالي حول تمرير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في 18 مارس الحاري، كان من الضرورى البحث حول تمديد تلك الاتفاقية، وبالفعل خرج أمس الطرفان الأساسيان، الورسي والأوكراني للإعلان عن الموافقة على تمديد الاتفاق، ولكن كان الخلاف حول مدة تمديده، ففي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا عن التمديد لمدة 60 يوما فقط، قالت أوكرانيا أنها موافقة على مدة الـ120 يوما المذكورة في الاتفاق الأساسي.
من جانبها أعلنت الأمم المتحدة اليوم الثلاثاء، أن "المشاورات" متواصلة بعدما اقترحت روسيا تمديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية لمدة 60 يومًا فقط بدلًا من 120 يومًا كما جرت عليه الأمور منذ توقيع الاتفاق، وقال الناطق باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لاركي: "ستفعل الأمم المتحدة كلّ ما في وسعها للحفاظ على الاتفاق كما هو وضمان استمراره".
وأشار إلى أن "المشاورات متواصلة مع جميع الأطراف وعلى كل المستويات"، دون أن يحدّد ما سيحصل عندما تنتهي صلاحية الاتفاق في 18 مارس بعدما مُدّد 120 يومًا في الخريف، وردًا على سيل من الأسئلة من الصحافيين في جنيف، قال "سنرى السبت ما سيحصل".
اتفاقية الحبوب بالبحر الأسود انقذت العالم
وقد ساهم اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، في التخفيف من حدّة الأزمة الغذائية العالمية بعدما تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 بوقف شحنات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود جراء حصار السفن الحربية إلى أن أبرم اتفاق يوليو 2022 لإيجاد ممر آمن لتصديرها، وفي منتصف نوفمبر مدد الاتفاق أربعة أشهر حتى 18 مارس الجاري، وهو مكّن من تصدير حوالى 24,3 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية.
في المقابل، بالنسبة إلى الجزء الخاص بالأسمدة، لم تصدر إلا كمية صغيرة من مجموع 260ألف طن من الأسمدة الروسية المخزّنة في الموانئ الأوروبية منذ بداية الحرب، وقال الأمين العام للامم المتحدة، إن اتفاق الحبوب ومذكرة التفاهم بشأن تصدير الأغذية والأسمدة الروسية، كلاهما ضروري للأمن الغذائي العالمي، خصوصا في البلدان النامية، وذلك لعدم إغفال من سيكونون الضحايا الرئيسيين إذا انتهت صلاحية الاتفاق.
روسيا تهدف إلى خرق جدار الغرب
ويبدوا أن موسكو ليست راضية عن نتائج الاتفاق الثاني الذي أبرم بالتوازي في الصيف الماضي مع الأمم المتحدة وكان يهدف إلى إزالة العقبات أمام صادراتها من الحبوب خصوصا الأسمدة، ورغم أن هذه المنتجات لا تتأثر بالعقوبات التي فرضها حلفاء كييف لإجبار موسكو على وقف غزو أوكرانيا، كان لهذه الإجراءات المالية تأثير غير مباشر في ردع الوسطاء الذين يخشون الخضوع لإجراءات انتقامية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف موقف موسكو: "من الواضح أنه بشكل عام... لم يُطبّق الشق الثاني من الاتفاق الذي يخصّنا حتى الآن... نقدّر جهود الأمم المتحدة والأمين العام شخصيًا، ولكن السيد (أنطونيو) غوتيريش لم ينجح في اختراق الجدار الذي أقامه الغرب كمجموعة".
وتشمل النقاط الشائكة الرئيسية بالنسبة إلى موسكو وفق فيرشينين "المدفوعات المصرفية ولوجستيات النقل والضمانات وإنهاء تجميد النشاطات المالية وتوريد الأمونيا عبر خط أنابيب توغلياتي-أوديسا"، ويبدوا أن تلك المعوقات التي تضها روسيا لتمديده لمدة الـ120 يوما تهدف لخرق هذا الجدار الغربي.
اتفاقية الحبوب الدولية تظهر بعد قرار مصر
وبالنظر إلى آلية التشاور حول آليات تصدير الحبوب من أوكرانيا وروسيا، نجد أن اتفاقية الحبوب الدولية ليست مؤثرة في هذا الشأن، بل وما قامت به مصر من الانسحاب من تلك الاتفاقية كشف ضعفها الشديد في تنظيم تلك التجارة، خصوصا بعد بدء الحرب الأوكرانية، وقد أقدمت الحكومة المصرية الأسبوع الماضي، على الانسحاب من اتفاقية تجارة الحبوب الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي جرى إبرامها قبل عقود.
وقالت وزارة الخارجية المصرية، إن القرار اتخذ بعد تقييم قامت به وزارتا التموين والتجارة، وخلص إلى أن عضوية مصر لا تمثل "قيمة مُضافة"، وفي أول توضيح رسمي بشأن التفاصيل، قال الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، إن مصر انسحبت لإنها وجدت أن تكلفة الاشتراك في الاتفاقية أكبر من الفائدة التي تحصل عليها، مضيفا: "قررنا الانسحاب من الاتفاق توفيرا للعملة الصعبة".
ما هي اتفاقية تجارب الحبوب؟
اتفاقية تجارة الحبوب الدولية، كان إقرارها بمؤتمر الحكومات الذي عقد في لندن في 6 يوليو 1995، فيما كان بدء نفاذ اتفاقية تجارة الحبوب اعتبارًا من مطلع يوليو 1995، بين الحكومات والمنظمات الدولية التي أودعت صكوك التصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام، وكان من بين الموقعين على الاتفاقية مستوردو ومصدرو حبوب رئيسيون مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتعد تلك الاتفاقية بمثابة المعاهدة الدولية الوحيدة التي تغطي تجارة الحبوب، ووقعت عليها مصر منذ انطلاقها عام 1995.
وفي الأساس، تقوم الاتفاقية على 34 مادة رئيسية، وتتمثل أهدافها في تعزيز التعاون الدولي في جميع جوانب التجارة في الحبوب، وتشجيع التوسع في التجارة الدولية لتأمين أكبر تدفق ممكن لهذه التجارة، والمساهمة إلى أقصى حد ممكن في استقرار أسواق الحبوب الدولية، وتوفير منتدى لتبادل المعلومات، حيث تستهدف تعزيز شفافية السوق لزيادة التعاون التجاري، وقد تعهد الأعضاء المشاركون بإجراء أي معاملات ميسرة في الحبوب بطريقة تتجنب التداخل الضار مع أنماط الإنتاج والتجارة الدولية.
انسحاب مصر كشف ضعف اتفاقية الحبوب
وفقا لما ذكره تقرير لصحيفة سكاي نيوز، فإنه خلال العام الماضي تابع الجميع أزمة الحبوب العالمية والارتفاعات المستمرة، ومصر من أكبر مستوردي الحبوب على مستوى العالم وتعتمد بشكل رئيسي علي استيراد الحبوب من روسيا على وجه التحديد، وفي ظل الصراع الراهن بين روسيا والدول الغربية، لم تجد مصر أي تأمين لاحتياجاتها من القمح من هذه الاتفاقية أو الحفاظ على مصالحها بالشكل المتوقع.
لذلك بذلت القاهرة جهودًا كبيرة للغاية على مدار العام الماضي لتأمين احتياجاتها من الدول المختلفة، واستطاعت الصمود أمام هذه الأزمة التي يمكن أن تهدد الأمن الغذائي في مصر، وقد كانت تعول مصر على دور قوي لاتفاقية تجارة الحبوب الأممية خلال أزمة الحبوب منذ اندلاع الحرب، وكانت تنتظر أن يكون لها دور مباشر في تأمين احتياجاتها من الحبوب، لكن هذا لم يكن واضحًا خلال الفتره الماضية.
العلاقات المباشرة هي الفيصل في تنظيم تلك التجارة
وبالنظر إلى آلية تمديد اتفاقية الحبوب عبر البحر الأسود، ونموذج مصر في توفير الحبوب اللازمة لشعبها، نجد أن العلاقاتن الثانية ولغة المصالح هي التي تضع القوانين الجديدة الحاكمة لتجارة الحبوب حول العالم، فقد استطاعت مصر من خلال علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع معظم دول العالم أن تؤمن احتياجاتها في الفترة الماضية، كما تمكنت من استيراد القمح من بلدان جديدة مثل الهند على سبيل المثال.
والواقع أثبت أن الاتفاقية الدولية ستخسر بالتأكيد عضوية مصر باعتبارها أكبر دولة في العالم مستوردة للقمح، وأثبت أيضا أنها لم تتمكن من تنظيم الاتفاقات والأمور الدولية الخاصة بالأسعار وعمليات التبادل التجاري في الحبوب بشكل عام والقمح علي وجه التحديد، والقرار المصري يعطي رسالة واضحة بأن الاتفاقات يجب أن تكون ذات جدوى، أما التي دون عائد تنظيمي أو منظم ومُسيطر على الأسعار أو على التجارات المهمة كالحبوب بشكل خاص، فإنها ستكون دون عائد منها.