واصل ملتقى «الأزهر للقضايا المعاصرة» فعالياته الأسبوعية، امس، في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت عنوان: «نظرة الإسلام إلى السلام»، وذلك في إطار جهود الأزهر الشريف لنشر قيم الرحمة والتعايش الإنساني، ودحض المفاهيم المغلوطة التي تسيء إلى سماحة الإسلام وتُشوّه مقاصده.
وذلك برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر.
وشارك في الملتقى كلٌّ من: الدكتور جميل تعيلب، وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة، والدكتور حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.
وأكّد الدكتور جميل تعيلب، وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة، أن موضوع السلام يُعدّ من أهم القضايا التي ينبغي للأمة أن تستوعبها وتُجسّدها في واقعها، مشيرًا إلى أن أصل الكلمة في اللغة العربية يكشف عن معاني الرحمة والوئام والمحبة، فكل الكلمات المشتقة من الجذر (س ل م) تدور حول السكينة والطمأنينة والأمان، ومنها الإسلام والسلام والسلامة، وهو ما يبرز أن هذا الدين في جوهره دعوةٌ للسلام مع النفس ومع الآخر ومع الكون كله.
وبيَّن أنَّ السلام في الإسلام ليس مجرد شعار، بل هو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو تحية المؤمنين في الدنيا والآخرة، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾، وبحديث النبي ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج حين قال: «التحيات لله والصلوات والطيبات»، فردّ الله تعالى عليه بقوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، ثم قال الملائكة: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، موضحًا أن هذا الحوار السماوي الشريف يُجسّد أن السلام صلةٌ بين الأرض والسماء، وبين العبد وربّه، وأنه دعاء مستجاب ورحمةٌ دائمة تفيض على المؤمنين في حياتهم وبعد مماتهم.
من جانبه، أوضح الدكتور حبيب الله حسن أحمد، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، أن كلمة «السلام» من أكثر الكلمات تداولًا على الألسنة في العصر الحديث، حتى أصبحت شعارًا تتبناه المحافل الدولية والإقليمية، وتردده وسائل الإعلام في كل مكان، غير أن واقع البشرية يشهد تناقضًا صارخًا بين القول والعمل، وكأن الناس قد وقعوا فيما حذّر الله منه في قوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، مشيرًا إلى أن أكثر من يرفعون شعارات السلام هم في الواقع أكثر من ينتهك حرماته ويعتدون على الإنسانية في أبشع صورها.
وبيَّن أنَّ السلام في الإسلام لا يقتصر على الخطب والشعارات، بل هو منهج حياةٍ شامل، يبدأ من سلام النفس مع ذاتها، ويمتد إلى سلام المجتمع في علاقاته، ثم إلى سلام الأمم في تعاملها، مؤكدًا أن السلام الحقيقي هو الذي يصدر عن الإيمان بالله واحترام كرامة الإنسان، وأن الإسلام حين جعل «السلام» تحيةً للمؤمنين إنما أراد غرس هذا المعنى في السلوك قبل اللسان، ليكون المسلم داعيًا للسلام بفعله لا بمجرد قوله، فسلام الفرد هو أساس سلام الإنسانية جمعاء.