بين النقد وفخ الغيبة المحرمة

في خضم صراع بلغ أوج ضراوته في معركة الحياة التي بتنا ﻻ نعرف كيف ندور في فلكها دونما تأثير حوادثها علينا.
ونحن أسرى حوادثها والحاجات والميول والولاءات والعرق والطائفية وصراع البقاء والأرادات كله له مدخلية في صنع أراء تناقضت وتباينت لدرجة البياض والسواد!.
والعقل الذي أودع بفطرته التصويب والنقد (بك أعقاب وبك أثيب) وهو صاحب التمييز في أبعاد أو فرز النقد البناء عن الغيبة المحرمة.
وهذه معركة القلم الشجاع الذي يشمر عن ساعده ليضع القوانين التي في التزامها ﻻ نقع فريسة النفس الأمارة بالسوء، فتكون قد أوديت بحياة الأنسانية بأسرها، والفرق في النقد البناء قد يكون ضئيل جدا بلغ من التشابه ليس بمقدور أحد أن يميزه من خلال الحياة العملية، وقد يمكن تبيان بعضها على النقاط التالية :
1- النقد في أي مجال اجتماعي، سياسي، فردا أو جماعة ونقد حتى المؤسسة الدينية، يستهدف نقاط الخلل التي تقف حائل بينها وبين عظيم الأهداف العليا والخطيرة ، وهذه أخلاقية تلعب بها النوايا وحسابها الدقيق على عالم النوايا والأسرار، والداعي والباعث على التكلم ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور).
2- في وفرة جهل الأمة وخلط المفاهيم يتعرض إلى وابل من السباب والشتائم لجرأة النقد الذي ﻻبد منه لعملية البناء والإصلاح ضمن قواعد وموازين أخلاقية تثمر في الوسط الاجتماعي، وسهولة سلب روحها البناءة إلى أخرى تشابها أسمها الغيبة والتسقيط لتفقد القصة بريقها !
3- أن أغلب ضحايا الإصلاحيين من جهل المجتمع وعدم معرفة ضوابط النقد من ضوابط الغيبة ، فمساحة التفكير ضيقة الأفق ليس فيها متسع تسامح في النقاش أيا كان !.
4- الغيبة هي استهداف شخص في موقع أو غيره من أجل الإطاحة به لسوء سريرة وخبث نفس لم تذق طعم أو حلاوة الأيمان والخوف من الله تبارك وتعالى، فتأتي بذات اللباس المقدس للنقد الخلاق وتلبسه لتضع المجتمع في حرج التميز وحيرة الحق أين؟
5- استحالة التقدم بخطى جبارة للنهوض بالوعي وتفوق النباهة على الاستحمار والجهل المانع من تطوير مهارات النقد الواقعي !
من هنا نحتاج بالفرض العقلي مرحلة قبل مرحلة النقد من أجل وصول مجتمع يتقبل النقد وهي تعليمه مفاهيم أسهمت بها سياسات مخططة لسلب هذا الحق الطبيعية للاستعداد!.
ففرق كبير بين نقد مؤسسة ما عبر ما كان يتوقع منها من إنجازات في عملية الصراع والدفاع، وتقول إنها في هذا القرار أخطأت، وفرق كبير أن تنتقد ذات الأشخاص في نوع سلوكهم العملي علنا، فالأولى يفترض أن تكون من النقد البناء، والأخرى الغيبة الهدامة المحرمة !
وهذه الأساسيات ضرورية للمجتمع على عدة مستويات.
المستوى الأول: حتى يعطى دور للأقلام والسلطة الرابعة بنقد التشريعات والقوانين وكثير أمور من الأهمية بمكان، بل وحتى فتوى المرجعية الدينية أيا كانت إسلامية وغيرها، لتكشف نقاط الخلل بأي عملية لم تكن تلك المؤسسة ومنها الدينية قد اكتسبت العصمة.
المستوى الثاني: أن نرفع وتيرة الجهل الذي تتعمده السياسات بتفشيه مع أبناء شعبها أي شعب كان، يعني أن نفك الحصار الفكري الذي شوه الحقيقة في أي عملية بناء ذات بسرعة أتهامها لها بأنها غيبة والأخذ بأعراض هذا وذاك، فيصنع جدار مانع بين هذا وذاك تحسباً لقتل أي مشروع إصلاح حقيقي قادم.
وهذا يكثر في مجتمعاتنا الشرق أوسطية مسلوبة النباهة بالقصد والعمد، مما ضاعف جهود المصلحين وأكثر ضحاياهم !