الرجل الممحون..؟

تستطيع المرأة المصرية وخاصة في الأحياء الشعبية، أن تلخص موقفها المعادي من امراة أخرى اشتبكت معها نتيجة إلقائها لمياه الغسيل من شرفتها علي غسيل جارتها، والتي تحرص بعد أن تقع الواقعة، والتي ليست لوقعتها كاشفة، أن تقدم مبررات واهية لأسباب انسكاب المياه العفنة على غسيل الجارة التي بذلت جهدًا كبيرًا في نقعه وغسله وتشطيفه، ونظرًا لأن المرأة الأخرى المتضررة، تعرف أن عملية إلقاء المياه هذه ليست عبثية ولم تتم بمحض الصدفة أو بفعل خطأ عارض، لا تملك المرأة المتضررة سوى أن تهتف في وجه جارتها، بس يا امرأة يا "محن"..
لا تحتاج المكلومة على غسيلها سوى أن تطلق هذا التعبير الحاد غير المعروف وسط مجتمعات النخبة وحشود الصفوة، تعبير تستطيع أن تحدث بها جرحًا غائرًا في وجه الجارة المستبدة، دون أن تمسك عليها تلك الجارة الخبيثة خطئًا يستحق المراجعة، فلا أصل في اللغة يبدو مفسرًا لهذا التعبير الذي يراه البعض وصفًا للمواقف المائعة والمضطربة وغير المبررة. وقد لا تكتفي مطلقة تعبير "المحن" هذا بمجرد الهتاف به وفقط، قد تلجأ مستخدمة يدها اليسري في الأمساك بكوع يدها اليمني، ولا تلبث أن تحرك معصمها وهي ضامة لقبضة يدها للأمام، في إشارة لا تخلو من - قلة الأدب - تعني بوضوح أن - سيدة المياه المتسخة - امرأة سيئة السلوك.
علي غرار تلك المرأة - الممحونة - يوجد العديد من النماذج في الحياة السياسية المصرية، الممحون هذا يتظاهر بالوطنية، وقد يكون كاتبًا، فيدهشك بمقالاته الحادة الزاعقة في مواجهة البعض، ثم تكتشف أن هذه الكتابة ليس لوجه الله، بل هي مدفوعة الأجر، وقد تكون موجهة من قبل جهاز أمني، لا يعدو هذا - الممحون - سوى مجرد واحد من فريق كبير من - الممحونين - المستعدين لسلخ جلود بطون أمهاتهم، مقابل أن يحظون برضي الكبار وأولي الأمر، وأن يظلوا دائمًا في قائمة المدعوين للقاء الرئيس عند افتتاح معرض الكتاب، أو مرافقته عل الطائرة الرئاسية والتمتع بالنظر في وجهه الكريم، وعندما يحين وقت الأسئلة، يكونون أول الملتزمين بتنبيهات - الدكتور زكريا - لا داعي لأي أسئلة يمكنها إغضاب الرئيس.
يدهشني في هذا النموذج - الممحون - قدرته على الخداع والمناورة والظهور بأكثر من وجه، فهو مع الثورة، بل لعله واحد ممن دعوا إلى قيامها، وساهموا في تفجيرها وفي الوقت نفسه هو كان مع أهمية الإبقاء على الرئيس وجعله يمضي باقي مدته، وأنه على الثوار أن يؤججوا من نيران مقاومتهم لكل من كانوا حول الرئيس من الفاسدين، أما هو فلا فالرجل هو الأب وهو الزعيم.
عندما كانت تقترب مواعيد الانتخابات، كان لايكف هذا - الممحون - من مداهنة من يراهم أصحاب قدرة تصويتية قادرة على إنجاحه مثلما هم قادرون لو تكتلوا ضده على إسقاطه فلا يكف عن مداهنتهم والتقرب منهم والإشادة بهم وبتاريخهم، وعندما يعلن نجاحه يسرع بالقفز من قارب النجاة الذي اقله، ويسرع بتقديم نفسه لأولي الأمر ومن هم بيدهم مقاليد الأمور، فهو المفكر والمنظر والمؤرخ والقادر على توصيل الرسائل المفخخة وإطلاق قنابل الدخان عندما تكون هناك حاجة لصنع مناخات ضبابية يمكن من خلالها تمرير العديد من الخطط المعدة بضراوة وتوحش في الغرف المقبضة.
آخر الكلام
هذا زمان - المحن - فاحتشدوا..؟