الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معنى قوله تعالى «حملته أمه كرها ووضعته كرها»


أوصى الله تعالى ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما أيام حياتهما، والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما، وذلك مصداقا لقوله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، سورة الأحقاف: آية 15.
وأورد الإمام الطبرى فى تفسيره فى قوله تعالى: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا»، أى ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا برّا بهما لما كان منهما إليه حملا ووليدا وناشئا ثم وصف جلّ ثناؤه ما لديه من نعمة أمه وما لاقت منه في حال حمله ووضعه ونبهه على الواجب لها عليه من البرّ واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصحبة فقال: «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ»، يعني في بطنها كرها يعني مشقة وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا يقول: وولدته كرها يعني مشقة.
فقد حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا»، يقول: حملته مشقة ووضعته مشقة، وحدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة والحسن في قوله «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا» قالا حملته في مشقة ووضعته في مشقة.
وبين الطبرى أن معنى قوله تعالى: «وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا» أى وحمل أمه إياه جنينا في بطنها وفصالها إياه من الرضاع وفطمها إياه شرب اللبن ثلاثون شهرا، وقوله «حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ » اختلف أهل التأويل في مبلغ حد ذلك من السنين، فقال بعضهم: هو ثلاث وثلاثون سنة، فقد حدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا ابن إدريس قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن ابن عباس قال: أشدّه: ثلاث وثلاثون سنة واستواؤه أربعون سنة والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون، وقال آخرون: هو بلوغ الحلم.
وأشار إلى أن قوله تعالى: «وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» أن ذلك حين تكاملت حجة الله عليه وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحق في بر والديه، فقد حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة «وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي» حتى بلغ وقد مضى من سيئ عمله ما مضى.
وأوضح الطبرى أن قوله: «قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ»، أى يقول هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده وعرف حقّ الله عليه فيما ألزمه من برّ والديه وأغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك والعمل بطاعتك «وَعَلَى وَالِدَيَّ» من قبلي وغير ذلك من نعمتك علينا وألهمني ذلك، وأصله من وزعت الرجل على كذا: إذا دفعته عليه.
وتابع: «أن قوله "وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ" أى أوزعني أن أعمل صالحا من الأعمال التي ترضاها وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقوله «وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي» يقول: وأصلح لي أموري في ذرّيتي الذين وهبتهم بأن تجعلهم هداة للإيمان بك واتباع مرضاتك والعمل بطاعتك فوصفه جل ثناؤه بالبرّ بالآباء والأمهات والبنين والبنات، وقد ذُكر أن هذه الآية نـزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
واستكمل: «أن قوله "إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" يقول تعالى ذكره مخبرا عن هذا الإنسان أنه يقول: تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي وإني من الخاضعين لك بالطاعة المستسلمين لأمرك ونهيك المنقادين لحكمك».