أزمة المياه في مصر

تعاني الميزانية المائية المصرية عجزا شديدة بين الموارد المائية المتاحة والاستخدامات الحالية، حيث يقترب نصيب الفرد من حد الفقر المائي المدقع (500 متر مكعب/سنة)، مما يتطلب التفكير خارج الصندوق لإيجاد موارد مائية غير تقليدية لسد الفجوة بين العرض والطلب.
فلم تعد دراسات تقييم الآثار البيئية لسد النهضة في حد ذاتها ضرورة ملحة وسبب للتأخير في العمل على الحد من هذه الآثار في إطار التعاون مع إثيوبيا والسودان. فقد آن الأوان لترجمة نتائج البحث العلمي لتعظيم الموارد المائية المتاحة المحدودة وكذلك البحث عن إيجاد مصادر مائية جديدة غير تقليدية. وأن يعمل القائمون على البحث العلمي بتوفير الامكانيات الفتية والتكنولوجية المتطورة لاستخدام المياه الجوفية العميقه فى الصحاري المترامية، وايضا تحلية مياه البحار على الشواطئ الممتددة، وتقنيات معالجة مياه الصرف الزراعى والصحى، مع مواحهة المخاطر الفنية والبيئية والصحية المصاحبة لإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة دون تحميل ميزانية الدولة أي ألتزمات مالية.
وهنا يجب التعامل مع سد النهضة على أنه واقع يجب التعايش معه. فيجب التفكير في اتجاهين: الاتجاه الأول هو المشاركة في إدارة وتشغيل السد مع أثيوبيا والسودان ووضع عدة سيناريوهات لتشغيل السد بما يضمن المحافظة على حقوق مصر التاريخية في حصتها من المياه. على أن يكون التعامل مع ملف سد النهضة بمفهوم علمي وتطبيقي للإدارة المتكاملة للموارد المائية بين مصر والسودان وإثيوبيا بما يحقق التنمية المستدامة في الدول الثلاث.
الاتجاه الثاني هو التعامل مع التأثيرات الناتجة عن إنشاء السد على قطاعي المياه والطاقة في جمهورية مصر العربية في القطاعات المستخدمة للمياه. أهمها القطاع الزراعي. فمن المعروف أن هذا القطاع هو المستهلك الأكبر للمياه في مصر بنسبة تصل إلي 85% من مياه النيل، لذا فإن أي ترشيد أو توفير في هذا القطاع سيكون له جدوي كبيرة على الموارد المائية في مصر. هنا يجب العمل على تخطيط وادارة المياه في هذا القطاع بكل دقة وبحيث لا يؤثر على إنتاجية المحاصيل الإستراتيجية التي تحتاجها مصر ولا يؤدي إلى أي زيادة في أسعار هذه المحاصيل، وذلك عن طريق إيجاد وسائل مبتكرة من شأنها تعظيم إنتاجية وحدة المياه المستخدمة في الري مثل: زراعة القمح مرتين في السنة وذلك عن طريق معالجة بذور القمح، قبل الزراعة بالتبريد لمدد زمنية مختلفة، تترتب عليها زراعة القمح فى مواعيد عديدة، ومن ثم اختصار مدة بقاء المحصول فى التربة إلى النصف تقريبًا، ما يعطى فرصة لزيادة الرقعة المزروعة بالقمح خلال موسم الزراعة الواحد، ومن ثم زيادة الإنتاج وسد جزء من الفجوة الغذائية، أو الوصول للاكتفاء الذاتى من محصول القمح.
كذلك يمكن تعظيم إنتاجية محصول الأرز دون الحاجة إلي تقليل المساحة المزروعة بالأرز (مما سيؤدي إلي مزيد من الاستيراد وبالتالي الأسعار). ويمكن زيادة إنتاجية محصول الأرز عن طريق تنفيذ زراعة الأرز بنظام التكثيف والذي يؤدى إلى توفير كمية مياه الرى ورفع إنتاجية وحدة المياه بنسبة 20% وكذلك رفع إنتاجية الفدان إلى 7 أطنان. مما يمكن أن يساهم فى مضاعفة إنتاج الأرز ويساهم في الأكتفاء الذاتي من هذا المحصول الأستراتيجي فى ظل النمو السكانى المتسارع فى مصر، حيث يَسمَح هذا النظام بإنتاج كمياتٍ أكبر من الغذاء مُستخدِمًا نفس المساحة من الأرض.
فالزراعة المكثفة هى نظام إنتاج زراعى يتميز بالاستخدام الأمثل لمدخلات المنظومة الزراعية مثل "المياه ورأس المال، والعمال وخلافه"، وكذلك الاستخدام المكثف للأسمدة الكيميائية والعضوية والمبيدات اللازمة للزراعة، حيث يرتفع عادةً استخدام العمال أو الآلات الزراعية مما يؤدى إلى قلة استخدامها بشكلٍ كبير، ويساهم في تحقيق الأمن الغذائي من هذه المحاصيل الأستراتيجية في جمهورية مصر العربية. لذا يجب العمل على تعظيم الموارد المائية والمحافظة عليها من التلوث وكيفية تعظيم القيمة المضافة لوحدة المياة في ظل التأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية وتأثيرها على جمهورية مصر العربية.
في الواقع، تعاني الميزانية المائية المصرية عجزا شديدة بين الموارد المائية المتاحة والاستخدامات الحالية، حيث يقترب نصيب الفرد من حد الفقر المائي المدقع (500 متر مكعب/سنة)، مما يتطلب التفكير خارج الصندوق لايجاد موارد مائية غير تقليدية لسد الفجوة بين العرض والطلب. وفي هذا الصدد، يجب أن يلعب البحث العلمي دوره في العمل على ايجاد طرق مبتكرة لتعظيم المورادر المائية الغير تقليدية. فيجب العمل فى مصر من أجل التنمية الشاملة والمستدامة، على أن يتم البدء بمشروع المليون ونصف المليون فدان لإعادة توزيع السكان واستيعاب الزيادة المتوقعة خلال الـ50 سنة المقبلة. فقد كانت إحدى التوصيات الرئيسية لمؤتمر علماء مصر بالخارخ والذي أقيم خلال الفترة من 14-15 ديسمبر من العام الماضي تنص على "استخدام الطاقة الشمسية فى تحلية المياه واستخدامها في الزراعة بطريقة مبتكرة توفر 40 %من مياه الرى للتوسع في استخدام تقنيات الرى الحديثة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان"، وقد تم إنشاء مركز المياه والطاقة والغذاء في مدينة زويل بالتعاون مع العديد من وزارات ومؤسسات الدولة التى أبدت اهتمامها الكبير بهذا المفهوم لتحقيق الأمن المائى والغذائى فى مصر.
وحقيقة الامر أن الدولة المصرية توفر مياه الري مجانا دون مقابل مادى .فمياه الرى فى مصر مدعومة تماما من موازنة الدولة،.فميزانية وزارة الرى بكل هيئاتها ومصالحها ومراكزها وقطاعاتها بالكامل تعتبر دعما لمياه الرى فى مصر. ويجب رفع الدعم بطريقة تدريجية، حيث أن هذا الدعم لمياه الرى يعتبر جائرا وغير منصف لانه يساوى بين صغار الزارعين وكبارهم. فمثلا يمكن البدء بمشروع المليون و500 ألف فدان والذي يجب أن يكون مشروعًا تنمويًا متكاملًا قائمًا على ترجمة وتوظيف نتائج البحث العلمى لخدمة المجتمع ويعمل على سد الفجوة الغذائية، ويضمن تحقيق التنمية المستدامة من خلال مشروع متكامل للمياه والطاقة والغذاء عن طريق استخدام الطاقة المتجددة وتحديدًا الشمسية فى تحلية المياه لاستخدامها فى الرى بطريقة مبتكرة ترفع من كفاءة الرى وتوفر حوالى 40% من المياه المستخدمة للزراعة
وتقلل من استنزاف المياه الجوفية، مما يساعد على استدامتها والمحافظة على حق الأجيال القادمة في هذا المورد الطبيعي، وخلق مجتمعات عمرانية جديدة ورفع مستوى دخل الفرد فيها لاعادة توزيع السكان واستيعاب الزيادة المتوقعة خلال ال 50 سنة القادمة. ويجب أن يتحمل المستثمرين جزء من تكلفة مياه الري لأنهم سيحصلون على الربح من استخدام هذه المياه فى الزراعات المختلفة. مما يضمن وضع رؤية شاملة لهذا المشروع لتحقيق مشروع تنموي متكامل يعمل على سد الفجوة الغذائية وتوفير الغداء ويضمن تحقيق التنمية المستدامة من خلال مشروع متكامل للمياه والطاقة والغذاء عن طريق استخدام الطاقة المتجددة في تحلية المياه لاستخدامها في الري بطريقة مبتكرة ترفع من كفاءة الري، فتحلية المياه أصبحت أمرا حتما، ويجب تغير مفهوم ان التحلية لمياه الشرب فقط بل يجب استخدامها في الري أيضا.
في الواقع، الدولة في حاجة إلى وضع سياسات لتسعير المياه وزيادة التعرفة التي تعد من أرخص تعرفة المياه في العالم، أيضا هناك ضرورة لرفع الوعي المائي عند الناس وترشيد استهلاك المياه وكلها وسائل لإدارة المياه تساعد على التوفير والمحافظة على الموارد المائية.
في الواقع، مصر في أمس الحاجة الى وجود رؤية جماعية مستقبلية يتم ترجمتها في استراتيجية واضحة.ثم سياسات قومية، يتم تنفيذها بخطط قصيرة عن طريق برامج لحزم مشروعات قومية يتم دراستها جيدا من جميع الجوانب ألفنية والإقتصادية والإجتماعية والبئية والسياسية. فمصر تعاني من غياب الأمن الغذائى وتنامى رهيب فى الفجوة الغذائية تزيد عن 8 مليار دولار سنويا، ويجب مواجهة أثار سد النهضة والتواكب مع توسعات زراعية جديدة وزيادة انتاجية القمح والأرز من عام لأخر. فهناك حاجة ملحة للتفكير والتخطيط بشكل متكامل في إطار الإدارة المتكاملة للموارد المائية لحل مشاكلنا ومضاعفة انتاجنا الزراعى، واستغلال مياهنا المحدودة، ومضاعفة دخلنا والاهتمام الكبير بالفلاح ومهندس الرى، والتفكير خارج الصندوق ومن خارج الاطار الحكومى.
ما تحتاجه مصر هوتخطيط وإدارة الموارد المائية تعظيم الموارد المائية المتاحة المحدودة المحافظة على هذه الموارد المحدودة من التلوث إيجاد موارد مائية بديلة غير تقليدية تعظيم التعاون مع دول حوض النيل في كافة المجالات تنمية مفهوم استدامة الموارد المائية في العقول وحق الأجيال القادمة في هذه الموارد كانت هذه الرسائل الختامية لمحاضرتي التي شرفت بإلقائها في مؤتمر علماء مصر بالخارج بالغردقة خلال الفترة 14-15 ديسمبر 2016.