قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عادل نصار يكتب: ماذا بعد قمة شرم الشيخ للسلام؟

الكاتب الصحفي عادل نصار
الكاتب الصحفي عادل نصار

فخرٌ ممزوجٌ بسعادةٍ، وفرحةٌ مليئةٌ بالآمال.. هكذا وجدتني أشعر في قمة شرم الشيخ للسلام، تلك القمة التي جمعت أهم دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب رؤساء دولٍ أوروبية وملوكٍ عرب، لتُعلن إسدال الستار على أكبر مأساةٍ عرفها البشر على الإطلاق في قطاع غزة.

واختُتمت قمة شرم الشيخ للسلام التي استضافتها مصر بمشاركة قادة ورؤساء من مختلف دول العالم، وسط آمالٍ واسعة بأن تمهّد هذه القمة الطريق نحو إنهاء الحرب في غزة، وفتح أفقٍ جديد لتسويةٍ شاملةٍ للقضية الفلسطينية، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: ماذا بعد قمة شرم الشيخ؟.

لحظة تاريخية في مسار الشرق الأوسط

القمة التي جاءت بمبادرةٍ مصريةٍ أمريكيةٍ مثّلت منعطفًا سياسيًا مهمًا في المشهد الإقليمي، حيث استطاعت القاهرة إعادة ملف السلام إلى طاولة المجتمع الدولي بعد شهورٍ من التصعيد العسكري في غزة، وتزايد الكارثة الإنسانية التي أثارت قلق العالم بأسره، فقد شكّلت القمة منصةً لتوحيد المواقف، وتأكيد أن لا استقرار في المنطقة دون حلٍ عادلٍ ودائمٍ للقضية الفلسطينية.

مخرجات القمة ورسائلها

من أبرز مخرجات القمة التأكيدُ على ضرورة وقف إطلاق النار بشكلٍ دائم، وفتح الممرات الإنسانية لإغاثة المدنيين، إلى جانب دعم الجهود الرامية لإعادة إعمار غزة، كما شدّد القادة المشاركون على أهمية استئناف المفاوضات السياسية على أساس حل الدولتين بما يضمن إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ عاصمتها القدس الشرقية، كما وجّهت القمة رسائلَ واضحةً إلى المجتمع الدولي بضرورة تحمّل مسؤولياته تجاه حماية الشعب الفلسطيني، وعدم السماح باستمرار دوّامة العنف التي تُجهض أيَّ مساعٍ لتحقيق السلام العادل والشامل.

الدور المصري المحوري

أظهرت القمة مجددًا الدورَ المصريَّ المحوريَّ في إدارة ملفات المنطقة، إذ تحركت القاهرة على أكثر من مسار، بدءًا من الجهود السياسية والدبلوماسية، مرورًا بتنسيق المساعدات الإنسانية، وصولًا إلى العمل مع الأطراف الدولية والإقليمية لإحياء مسار التهدئة.

ولم تكن قمة شرم الشيخ للسلام مجرد لقاءٍ دبلوماسيٍّ عابر، بل جاءت كرسالةِ أملٍ وسط دخان الحرب ولهيب الأزمات، إذ تمحورت أهدافها حول وقف نزيف الدم في غزة وإعادة رسم ملامح السلام في الشرق الأوسط، ومن رحم هذا الحدث الدولي الكبير بزغت إشراقةٌ جديدةٌ تحمل ملامح مستقبلٍ يمكن البناء عليه كبدايةٍ لمسارٍ دائمٍ نحو سلامٍ شاملٍ وحلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية التي طال انتظارها.

وفي خلفية هذا المشهد المليء بالتحديات، يبرز الحراك الدبلوماسي المصري كأحد أهم محركات التوازن في المنطقة، حيث تخوض القاهرة منذ أكثر من عامين معارك سياسية دقيقة على جبهات متعددة، مدفوعةً بإيمانها بأن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على تحقيق السلام لا في إشعال الحروب، وقد تمكنت بالفعل من إحداث تحوّلٍ لافتٍ في الموقف الأمريكي، بعد أن كانت واشنطن تراهن طويلًا على منطق القوة والحلول العسكرية، لتجد في الرؤية المصرية بوصلةً جديدةً تفتح الباب أمام نهجٍ أكثر عقلانيةً وإنسانيةً في التعامل مع قضايا المنطقة، وتبرز مصر اليوم كجسرٍ للحوار بين جميع الأطراف، بما تمتلكه من علاقاتٍ متوازنةٍ ومصداقيةٍ دوليةٍ تؤهلها لقيادة جهود التسوية.

التحديات أمام تنفيذ مخرجات القمة

ورغم الأجواء الإيجابية التي أعقبت القمة، فإن الطريق إلى السلام لا يزال مليئًا بالتحديات، أبرزها الموقف الإسرائيلي المتشدّد، والانقسام الفلسطيني الداخلي، إلى جانب غياب رؤيةٍ موحّدةٍ للمجتمع الدولي حول آلية تنفيذ الاتفاقات، واستمرار الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة يفرض ضغوطًا متزايدةً على الأطراف كافة لتسريع الخطوات العملية على الأرض.

آفاق المرحلة المقبلة

في المرحلة المقبلة، ستعمل القاهرة وشركاؤها على تحويل مخرجات القمة إلى خطةِ عملٍ واقعيةٍ من خلال تشكيل لجان متابعةٍ ومواصلة الاتصالات الدبلوماسية مع الأطراف المعنية، ويرى مراقبون أن الأسابيع القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الأطراف بتعهداتها، ولقدرة القوى الكبرى على دفع عملية السلام من مرحلة الأقوال إلى الأفعال.

قمة شرم الشيخ ليست نهاية المطاف، بل بداية لمسارٍ طويلٍ نحو إعادة بناء الثقة وإحياء الأمل في مستقبلٍ أكثر استقرارًا للمنطقة، فإذا ما تحوّلت التعهدات إلى خطواتٍ ملموسة، فقد تكون شرم الشيخ قد فتحت بالفعل نافذةً جديدةً للسلام، أما إذا بقيت الوعود حبرًا على ورق، فإن دوّامة الصراع ستعود لتلتهم أحلام الشعوب مجددًا.

في نهاية المشهد، تبدو قمة شرم الشيخ للسلام كنبضةِ أملٍ وسط ضجيج الحرب، ورسالةِ تذكيرٍ بأن السياسة لا تزال قادرةً على إنقاذ ما تبقّى من إنسانيتنا، فربما لا تُغيّر القمم مسار التاريخ في يومٍ واحد، لكنها تُشعل شرارةً يمكن أن تُبدّد عتمة الحروب إذا وُجد من يحميها من رياح المصالح.

واليوم، يقف الشرق الأوسط على مفترق طريقين: طريقٍ يُعيده إلى دائرة الدم والدمار، وآخر يقوده نحو سلامٍ طال انتظاره، وبين هذين الطريقين، تبقى العيون تتجه إلى شرم الشيخ، حيث كُتب فصلٌ جديدٌ من فصول الأمل في أن تُثمر الكلمات يومًا عن واقعٍ يُنهي الألم ويمنح الغد معنى جديدًا.