هزيمة أكتوبر جرح غائر فى الوجدان الأدبي الإسرائيلي

مع مرور ما يربو من أربعة عقود على انتصار حرب االسادس من أكتوبر المجيدة عام 1973، مازال جرح الهزيمة غائراً لم يندمل على جبين الكيان الإسرائيلي الذي يسعى حتى يومنا هذا لاستخلاص الدروس والعبر من هذه الهزيمة النكراء، إذ عكفت جميع الأجهزة الأمنية والمخابراتية، والمراكز البحثية والأكاديمية الإسرائيلية بصفوة خبرائها وباحثيها طوال تلك العقود، ليل نهار، على إعداد التقارير والدراسات التى من شأنها رصد وتحديد أسباب الهزيمة للحرص على عدم تكرارها مرة أخرى.
بذلك أصبحت حرب السادس من أكتوبر مرجعاً أساسياً للمؤسسة العسكرية الصهيونية فى وضع خططها وسيناريوهاتها الحربية فى كل حرب أو مواجهة كانت تخوضها دولة الاحتلال ضد أي طرف عربي بعد ذلك، بداية بحرب لبنان الأولى عام 1982، مروراً بالانتفاضتين الفلسطينيتين عامي 1987 و2000 وأخيراً حرب لبنان الثانية عام 2006، والعدوان على قطاع غزة أواخر عام 2008، ففى كل حرب من هذه الحروب كانت تستعين دولة الاحتلال بتجربتها الانهزامية فى حرب أكتوبر.
ومع انطلاق قطار ثورات الربيع العربي وإسقاط الأنظمة العربية الاستبدادية وصعود التيار الإسلامي، تعاظم هاجس هزيمة إسرائيل على يد الجيش المصري ليسيطر مجدداً على العقلية العسكرية الإسرائيلية، وطُرحت من جديد سيناريوهات حرب أكتوبر، وإمكانية دخول إسرائيل فى حرب مع مصر والعرب على عدة جبهات، ولم تخل وسائل الإعلام الإسرائيلية بمختلف اتجاهاتها حتى كتابة هذه السطور من الحديث حول ضرورة الاستفادة من الأخطاء التى حدثت فى حرب 1973، وتحاشي الوقوع مجدداً فى براثن الهزيمة.
ونلاحظ فى الآونة الأخيرة تزايد نشر التقارير والأبحاث الأكاديمية الإسرائيلية حول هذا الموضوع، كلما زاد الحديث عن تدهور العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، وإمكانية إلغاء اتفاقية السلام بين البلدين، لاسيما بعد حادث اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.
حقاً ستظل هزيمة إسرائيل على يد جنود القوات المسلحة المصرية ندبة على وجهها لن يمحوها الزمن، لتتذكر دوماً فداحة هزيمتها، ولتكن رادعا لها عن الدخول فى أي مواجهة عسكرية جديدة مع مصر، ورغم مرور 39 عاماً على تلك الحرب لكن بقاءها فى الذاكرة الاجتماعية الإسرائيلية، على أنها الحرب الوحيدة التى أحدثت تغييرا فكريا وثقافيا وسياسيا فى بنية المجتمع الإسرائيلي إلى يومنا هذا، لخير دليل على الإنجاز الذي حققه الجندي المصري العظيم فى تلك الحرب، والذي بفضله نتنسم هواء الحرية والعزة والكرامة حتى اليوم.
ففى واقع الأمر كانت هزيمة حرب أكتوبر بمثابة الزلزال الذي هز أركان الدولة الإسرائيلية، وجعلها ترتعد من توابعه، فقد خلَفت حرب أكتوبر 1973 صدوعاً غائرة في الإجماع الإسرائيلي، وولدت اختباراً جديداً لأهداف الصهيونية وأشكال تحقيقها، وكان التحول السياسي داخل إسرائيل فى عام 1977 هو ذروة ما وصل إليه الزلزال الذي وقع في أكتوبر من عام 1973.
وعكس هذا التحول التشتت الاجتماعي القوي الذي مرَّ به المجتمع الإسرائيلي، على ضوء ذلك سنستعرض انعكاسات هزيمة حرب أكتوبر المجيدة على المجتمع الأدبي والثقافي الإسرائيلي، من خلال التغييرات التى أحدثتها هذه الهزيمة على صورة الأدب العبري نثراً وشعراً، الذي كان دوماً مجنداً لخدمة الأهداف الصهيونية ومروجاً ومبرراً للوحشية الإسرائيلية، من خلال الإنتاج الأدبي للأدباء الإسرائيليين الذي اتسم بالاستعلاء والغطرسة حتى قبل بزوغ فجر أكتوبر وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم.
وحسبما يقول الناقد الأدبي الإسرائيلي، يوسف أورن: "تعتبر حرب السادس من أكتوبر نموذجاً واضحاً لتأثير الأحداث التاريخية على الحياة الفكرية الإسرائيلية"، فما حدث فعلاً أن حرب أكتوبر أحدثت فزعاً ورعباً عميقين بين اليهود سواء فى إسرائيل أو خارجها"، وكان من أثر ذلك على الأدب العبري الحديث والمعاصر، إذ برز فيه اتجاه جديد اتسم بالتخبط الفكري من ناحية، ويعكس واقع الحياة الإسرائيلية من ناحية أخرى.
هذا الاتجاه الجديد فى الأدب العبري انشغل بطرح التساؤلات حول البديهيات التى لا يريد الكيان الإسرائيلي طرحها على أنها محسومة ويعكس المجال الفكري الذي يرفض قبول هذه البديهيات.