الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قالها أنا مكسوف من ربنا!!


فى فترة من حياته معها كانت تلاحظ ابتعاده عنها تعمدا، ومحاولاته الدائمة التهرب منها، ولم تعبأ كثيرا لتصرفاته وكانت تبررها بزحمة جدول حياته لكونه ذو مسئوليات واهتمامات.

مضت هذه الفترة لتعقبها فترة أخرى أشد حدة من سابقتها زاد فيها إظهاره الاحتقار وتدنيها أمام الأقربين فالأقربين، ولم تنفع معه مواجهته ومحاولة توقيفه، وتشابكت الخيوط وتجمعت لتصل هى وهو إلى مرحلة الافتراق ويصبح كل منهما فى طريق، ولم يعدا يلتقيا أبدا، وأن حدث وجرى بينهما اتصال كان يحرص كل الحرص على التأكيد أنها انتهت من حياته بل إنها لم تكن فى حياته من الأساس، وهى أيضا أثبتت له أن أمره لم يعد يعنيها وأنها على قناعة بينها وبين نفسها بأن حقها عند الله سيرده لها مهما طال الوقت وغابت شمس وغربت، ظلت الأوضاع على هذا الشأن وفيها زاد التهامس والتناجى بالكثير والكثير الناجم عن هذه الوضعية والتى تسمح لكل من له هدف من الآخر أن يحدثه بما يخفى عنه وربما بما لم يكن صحيحا من الأساس.

ليمضى وقت لا يحسب فيه الاثنان مدته، وتزداد الهوة وتتسع وتبتلع كل المشاعر التى كان يكنها كل منهما للآخر، وما لم تبتلعه الهوة تجبره الأحداث على التباعد والتجاهل وربما الكراهية، فى هذه التربة الغريبة تتعايش هى محاولة أن ترمم بقاياها الرافضة لتصديق ما جد على حياتها والحزن على نفسها لأنها عاشت وهمًا وأمنت بغيًا وسلمت أمرها لشيطان ظنته ملاكا، ولكنها فى قرارة نفسها على يقين بأن ما أصبحت عليه أفضل ألف مرة ممن كانت ستصبح عليه لو أكملت طريقها محتضنة هذا الوهم المسمى حبا ومن فيه ويسمى حبيبا، تمضى بها حياتها تتدرج من قوة لأقوى ومن خير لأخير إن صح التعبير.

راضية عن نفسها وذلك كان الأعظم، ومع الوقت أصبحت لا تعرف ولا تريدأ ن تعرف شيئا عنه، وفى يوم قالوا لها الكثير عنه وعن مرضه ولكنها شعرت بأنها حزينة عليه بعكس ما كان يعتقد من زفوا لها خبر مرضه مؤكدين لها أن ظلمه لها رد عليه ربه بالمرض وبأن الغد سيكمل عليه بنزع السلطة والمال وكشف الستر عنه، لم تكترث وأصبحت تترقب أن يهاتفها ويطلب رؤياها لأنها كانت متلهفة لرؤيته وبالتعرف على ملامحه الغريبة عنها وهل لاتزال كما تركتها منذ أن افترقت وافترق عنها، طال انتظارها ولم يتحقق مطلبها وبكت سرا وطلبت من ربها أن يجعل طيفها يزوره ويجعله يحن ويشتاق إليها، ولم يستجب ربها ولم يتحقق ما دعته من أجله وما طلبته منه، وتوسلت به إليه.

وفى يوم لم تحسب له حساب التقته صدفة واستوقفته لتسلم عليه، ومع أنه قد تغير كلية فهو لم يظهر على سنه الحقيقية ولم يصبح فى السن التى يصبو إليها، فقد أصبح لا كما هو الآن ولا كما كان فى قديمه معها عليه، لم يهمها شكله ولا شكل ثيابه التى تتأرجح بين ثياب عجوز أو آخر متصابٍ، لم يهمها كل هذا بقدر نظرة عينيه إليها ففيها معنى لم تعرفه ولم تفهمه ولكنها شعرت بشىء خفى جعلها تمد يدها لتسلم عليها لتكسر بذلك أسلوبا ابتدعه منذ ابتعاده عنها بألا يسلم عليها ولا يلمس جسده جسدها ولو حتى أنامله.

بسلامها عليه فهمت حقيقة جهلتها عمرا وصارحها هو بها بخطاب تسلمته بعد وفاته قال فيه إنه بقدر ما سولت له نفسه تبرير كل ما فعله معها من ظلم وتكبر، وتجاهل، بقدر خجله من ربه وبقدر خوفه منه، واستطرد قائلا لها: كم من أيام مضت وأنا بعيدا عنكِ ساعيا لإقناع نفسى بأننى أحب غيرك وبأنها هذه الغير أفضل ألف مرة منكِ فهى أقل منى فى كل شىء وهى لم تفعل معى ما يجعلنى أشعر تجاهها بالولاء بل بالعكس هى صناعتى، هى من تكن لى كل المشاعر وتظهر لى كل ما أصبو إليه وأتمناه، مع الوقت أكدت لنفسى أنكِ انتهيت وأنك كنتِ ورقة وانتهيت منها وتركتها وطويتها طيا، مع الوقت ذقت طعما جديدا للحياة، نسيت فيه كل شىء يذكرنى بكِ، ويعيدنى للوراء، أصبحت كما تمنيت طاووسا بلا فخر وكبرياء، أصارحك القول بأننى توهمت أننى ملكت الدنيا وصرت هارون النساء.

الكل ملك يدى مكان، وسلطان، ومال، وعافية، ورغد وهناء، فى أحلامى فقط كانت تأتينى صورتك غياهب ولكنها تذكرنى بكِ وبمرحلة قلت لنفسى إنها ضاعت من عمرى هباءً، وفى اليقظة أتعمد أن أظهر سوءاتك لكل من يطلب منى العودة لكِ وبينى وبين نفسى أعلم أنه كذب وافتراء، وسط كل هذا وهن جسدى وأخذت منى مغامراتى وعشقى للنساء ما تبقى لى من قوة وعافية وبهاءً، وابتعدت عنى من جعلتها سيدة النساء وخلقت لها مجدا ومكانة تعجز عن نيلها فى ألف عام وعام، كانت تريد مالا وعافية وسلطانا فلما ذهبوا منى لاذت هى بالفرار وتهربت منى وبحثت عن غيرى لتكمل معه مشوار الغش والخداع.

أصبحت على مقربة من الموت وأشعر بقواي تخور، ولكن عظمتى وكبريائى يطلبان منى عدم الإعلان والتظاهر بالعافية والهناء، أخاف من النوم لأننى أخاف إن مت وأنا نائم ماذا سأقول لربى وأنا كل عمرى قد عشته فى كفر ورياء.

وكنت دوما فى خجل من ربى، كيف ألقاه، وأنا لم أحسن العمل ولم أعد نفسى ليوم اللقاء؟ والأكثر من ذلك أننى مكسوف من ربى ماذا سأقول له عندما يسألنى عنكِ؟ ولماذا كنت معكِ بهذا القدر من الظلم وعدم الولاء والوفاء؟ وسألت نفسى هل كسوفى من ربى يعفو لى عندها وتسامحنى يوم اللقاء؟ وهل تعفو عنى على الرغم من أننى قابلت كل محاسنها معى بالنفور والازدراء؟ فعلا أنا مكسوف من ربى ولا أملك سوى أن تدعى لى بأن يعفو عنى ربى ويسامحنى على ظلمى لكِ وعلى مجازاتك بصبرك ووفاءك وعمرك بكل التضاد والتنافر والازدراء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط