الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هوامش جديدة على "صفقة القرن"


مع الزيارة الجديدة التي يقوم بها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومعه المبعوث الرئاسي الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، تجدد الحديث عن "صفقة القرن" التي جهزتها إدارة ترامب، وبدأت ترويجها فور وصول الرئيس الأمريكي إلى منصبه قبل نحو عام ونصف.

والحقيقة أن ما يقال عن "صفقة القرن"، التي سطرتها إدارة ترامب أكثر من حقيقتها ذاتها أو جوهر هذه المبادرة الأمريكية الجديدة لإنهاء الصراع العربي – الفلسطيني.

فما تردد فيها وعنها وبخصوصها على مدى الشهور الماضية كان كثيرا ويصعب الإلمام به.

وعليه جرى رفض الصفقة، والتعليق عليها بالصراخ وتداول معلومات غريبة وعجيبة عنها من داخل وخارج أمريكا، دون أن يعلم أي أحد بالضبط جوهر هذه المبادرة الأمريكية أو حقيقة النصوص التي تتحرك في إطارها ادارة ترامب لتفعيلها على الأرض. ودفع الأطراف الفلسطينية والعربية وإسرائيل كذلك للقبول بها.

والواضح أن هذه المبادرة، المسماة بـ"صفقة القرن" مجرد تسوية أو تفاهمات واسعة شفهية في الغالب، وداخل عقل المخططين الكبار في الإدارة الأمريكية لكنها غير مكتوبة وإنما "إطار مرن"، يخضع للجهد الدبلوماسي المنتظر تحقيقه من الجولات والزيارات واللقاءات.

مع مختلف الأطراف التي تشملها الصفقة سواء كانت فلسطينية أو إسرائيلية أو عربية.

الجديد في صفقة القرن حسب التسمية الشهيرة لهذه المبادرة الأمريكية، أنها تُدخل أطرافًا عربية داخل الصفقة وتطلب منهم أدوارًا رئيسية لإنجاحها، وذلك للمرة الأولى منذ بدء التسوية السياسية بين الفلسطينين والاسرائيليين قبل 25 عاما.

سواء كان ذلك من السعودية أو الدول الخليجية الثرية أو من الأردن أو من مصر.

فهذه المرة، وداخل إطار هذه المبادرة الأمريكية لن يقتصر دور الدول العربية على الترضية بين الفلسطينين والإسرائيليين، أو التدخل للتهدئة أو لوقف العدوان الإسرائيلي والهمجية الوحشية التي تمارسها تل أبيب تجاه قطاع غزة و الضفة الغربية والقدس مرات ومرات، ولكن مطلوب من الدول العربية مهام بعينها داخل هذه الصفقة، مثل البدء في استثمارات طويلة الأجل داخل قطاع غزة ودفع نحو مليار دولار أو اكثر من الاستثمارات الدائمة داخل القطاع الفقير.

وليس هذا فقط، ولكن الضغط على الرئيس الفلسطيني وحركة حماس وباقي الأطراف الفلسطينية الرئيسية للقبول بالصفقة.

فإدارة ترامب، وعلى طريقة تحركاته الشهيرة في مختلف القضايا الدولية وبمنطق رجال الأعمال في إدارة شركاتهم، تريد إنهاءً شاملًا للقضية الفلسطينية، بأي طريقة وبأي ثمن؟!

المهم في النهاية ألا تتضمن ولن تتضمن بالتأكيد تعديًا على الرؤى او الحقوق الاسرائيلية في القضية من وجهة نظرهم!

فواشنطن تتصرف في صفقتها، على أن فلسطين أصبحت وطنًا كاملا لإسرائيل وما ستقوم به في طار هذا الصراع التاريخي، هو ترضية الفلسطينين وإنهاء صداعهم وتقوية قبضتهم بعض الشىء على بعض المدن والبلدات الفلسطينية التي يقومون باداراتها فعليًا الآن في إطار الحكم الذاتي وفي إطار اتفاق أوسلو عام 1993.

وبالطبع ليس في المفهوم الأمريكي، ولا في المفهوم الإسرئيلي إقامة دولة فلسطينية حقيقية ذات حدود ومطارات وذات سيادة فهذا "وهم فلسطيني" ولا يمكن أن تقبل به إدارة ترامب أو يقبل به نتنياهو.

الجديد والمثير في الصفقة هو تحركات كوشنر زوج ابنة ترامب لمحاولة إدخال السعودية في الصفقة والعمل على إقامة خط تطبيع مباشر بينها وبين إسرائيل لمزيد من الفوائد الاقتصادية لتل أبيب بالطبع.

والطلب من مصر بحسب الرؤى الأمريكية، وبحسب التسريبات المتداولة القبول ببعض التفاصيل الموجودة في الصفقة ومنها تقديم تسهيلات للفلسطينين بطرق شتى.

سواء حسبما يتردد في أراضي بديلة داخل سيناء، وقد أعلنت مصر بوضوح لا لبس فيه على لسان وزير الخارجية سامح شكري، أنها لن تقبل بهذه الأوهام الأمريكية..

والواقع أن الصفقة وبحسب ما هو متداول حاليًا لا يمكن أن تحقق اختراقا كبيرًا، ما لم تقدم للفلسطينين دولة حقيقية أو تقدم لهم شيئا ملموسا يمسكونه بأيديهم على أراضيهم المحتلة قبل 70 عاما. وتضع حلولا شاملة ودائمة وعادلة لمسألة القدس واللاجئين.

كما أنه اذا كانت هناك رغبة أمريكية في فتح طرق اقتصادية سالكة بين السعودية واسرائيل، وبين اسرئيل وباقي الدول الخليجية الثرية وبشكل علني حسب ما هو موضوع في الصفقة وعمل تطبيع عربي كامل مع اسرائيل.

فإنه كانت هناك وللعلم، مبادرة عربية مطروحة منذ عام 2002 تقتضي باقامة علاقات عربية كاملة مع إسرئيل شرط إقامة دولة فلسطينية كاملة..

واذا نجح كوشنر، وإذا نجح ترامب في إحياء هذه المبادرة وليس في الالتفاف حولها لصالح تل أبيب كما هو حادث الآن فإن ذلك سيكون طريقًا سريعًا وبموافقة عربية كاملة ليس فقط لإنجاح صفقة القرن ولكن لإدخال اسرائيل في المنظومة الاقليمية مع استعادة كامل الأراضي الفلسطينية منها. وهناك قرارات تقسيم دولية شهيرة للأمم المتحدة عام 1948، وقرارات أخرى شهيرة ودولية بالعودة لحدود الرابع من يونيو سنة 1967.

ولكن الخوف أن تكون صفقة القرن، فخ أمريكي لاستيعاب اسرائيل وتمكينها اقتصاديا مع هدر الحقوق الفلسطينية الثابتة والراسخة في فلسطين للأبد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط