الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مولد السيد المسيح والمعجزة الإلهية


لم يكن مولد المسيح (عليه السلام) مولدًا عاديًا كسائر البشر، بل أراد الله عز وجل أن يجعل منه معجزة، كي يسلم بها بنو إسرائيل؛ فالله عز وجل وحده هو من يعلم ما تخفى الصدور وما تعلن، ومن ثم ما سيضمره اليهود في أنفسهم عند ظهور نبي جديد بينهم. 

كان الأمر يحتم وجود معجزة تؤيد رسول المحبة، سواء بمولده الكريم أم حديثه في المهد، ولا يسع الكافة إلا الإيمان بها وبالرسالة السماوية التي سيُكلف بنشرها.

حملت السيدة مريم (عليها السلام) بكلمة من الله، ولم يكن حملها وفق ناموس البشر؛ بل جاءتها كلمة الله وبث فيها من روحه فحملت دون أن يمسسها بشر، حيث قال عز وجل: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا(18).
 
وطمأنها الملاك قائلًا لها: "...إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21)"
وعندما حانت لحظة المخاض اتخذت السيدة مريم مكانًا قصيًا لتلد طفلها في سلام، حتى لا يشعر بها أحد من قومها؛ ولكي تقوي بدنها وتتمكن من إرضاع الطفل والنهوض، أمرها الله بالتمر، لتأكل وتشرب وتقر عينا.
ولنقف قليلًا أمام التمر وفوائده الجمة لكل مرضعة، ونتذكر أيضًا كيف كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يعيش أيامًا طوالًا هو والسيدة عائشة (رضي الله عنها) على الأسودين، التمر والماء، دون أن يشعرا بالهزال.
جاءت السيدة مريم قومها تحمل طفلًا، والدهشة في عيون القوم، ولاشك أن نظراتهم كانت ممتلئة بالاستغراب والاستنكار، حيث: "قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)".

وبعيدًا عن تفسير عبارة "يا أخت هارون"، والتي اتفق معظم المفسرين على أنها تعبير مجازي المقصود منه يا أخت هارون في العبادة والزهد والتقوى-حسب بلاغة العرب-أشارت السيدة مريم إلى طفلها وسألتهم أن يسألوه. فظن القوم أنها تستهزأ بهم، لكن مشيئة الله جاءتهم بالمعجزة الثانية، بعد حمله وميلاده، حيث تحدث إليهم الصبي وهو في مهده!

تكلم الصبي قائلًا لقومه:"...إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)"

لقد تحدث المسيح في المهد، خارقًا الناموس البشري الذي اعتاد على صراخ الأطفال عقب ولادتهم، وليس كلامًا فصيحًا مرتبًا بلغة القوم، محدد الأهداف. لقد أمر المسيح قومه أن يعبدوا الله، وأن هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم، أي: قويم، من اتبعه رشد وهدى، ومن خالفه ضل وغوى.
وهكذا، توالت المعجزات لعل القوم يؤمنون...غير أن هيرودوس الملك، الذي كان من أعداء الإيمان، جاءه نفر من المجوس ليخبروه بطفل سيصبح ملكًا ويكونوا له من الساجدين؛ فقرر البحث عن الطفل يسوع في بيت لحم يهوذا ليقتله كسائر أطفال بيت لحم الذين قادهم للموت لاحقًا...وهكذا أصبح المسيح، الذي كان لايزال صبيًا، في خطر داهم...وهنا أمر ملاك الرب يوسف النجار أن: "قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ"(متى13:2)
وهكذا، يصبح مولد المسيح (عليه السلام) عظة وعبرة لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر، وبملائكته وكتبه ورسله...ذاك هو رسول المحبة الذي بارك أرض مصر عبر سنوات أربع إلا قليلًا.
* كاتب وأستاذ أكاديمي
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط