الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد 40 عاما على رحيل شاه إيران.. شارع برلين الجدار الفاصل بين شباب الثورة وشباب 2019

الشاه محمد رضا بهلوي
الشاه محمد رضا بهلوي والخميني

في 16 يناير 1979، رحل محمد رضا بهلوي، آخر شاه لإيران، عن الحكم متجهًا إلى مصر وتحديدًا أسوان، لتنهي الثورة التي قادها الخميني - الذي كان يستعد حينها للعودة من منفاه بباريس بعد 15 عامًا - حكم أسرة "بهلوي" الذي استمر 53 عامًا، وتنهي الحقبة الملكية التي دامت لـ2500 عام.

لم تقتصر الثورة على شباب التيار الأصولي فقط، بل شملت الطوائف السياسية والفكرية في البلاد، من اشتراكيين وشيوعيين وليبراليين، لكن الخميني بدأ ديكتاتوريًا، وأبى إلا أن يهيمن على المشهد السياسي منفردًا مقصيًا حتى التيارات الدينية القريبة من فكره، وأطلق عليها لقب "الثورة الإسلامية" ليسدل الستار على كل ما عداها، الأمر الذي يذكر بما فعله تنظيم الإخوان عقب ثورة 2011 في مصر، فضلًا عن تشابهات كثيرة أخرى لا يتسع المجال لسردها، الخلاف الوحيد أن الخمينيين نجحوا في مخططهم للسيطرة على السلطة، لكن هل استطاعوا محو الأطياف الأخرى؟. 

رصدت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في تقرير لها، الفجوة الحاصلة بين جيل الشباب الذي ثار على الشاه قبل 40 عامًا، وجيل الشباب الحالي في البلاد، وقد شاخ الجيل الأول وصار يشعر بالخوف من جيل الأحفاد.

في وقت العصر بفصل الربيع، يقف بعض الشباب في قلب العاصمة طهران بالقرب من محطة مترو السعدي، يعزفون واحدة من أغاني "البوب" الشهيرة إبان فترة حكم الشاه.

عازف الجيتار يجلس على كرسي بينما يتحرك الأكورديون المرافق له صعودًا وهبوطًا على رصيف ليس ببعيد عن شارع برلين، وهو شارع يبلغ طوله 250 مترًا تتخلله محلات لبيع الملابس ومطاعم بأسعار معقولة. لقد أصبح مكان لقاء أسبوعي للعديد من "المتمردين" الشباب في العاصمة. الذكور والإناث على حد سواء، ومعظمهم بين 16 و23 سنة.

الموت للديكتاتورية.. لا يبدو لهذا الشعار من معنى لـ"محمد" البالغ من العمر 22 عامًا ويجلس في شارع برلين، فهو لم يعاصر الثورة، بل نشأ طفلًا تحت مظلة "الجمهورية الإسلامية"، وفي البيت لا يسمح أبواه - المتدينان جدًا - بتشغيل الأغاني أبدا، حتى كبر وصار هو من يشغلها، وهدف أبويه هو أن يجعلا منه مواطنًا متدينًا ومحتشمًا مثلهما، لكن يبدو أنهما لم يجدا السبيل لذلك، بالنظر إلى الثقب الموجود في حاجبه الأيسر، و"التاتو" المرسوم على ذراعه، والخواتم التي يرتديها على هيئة جماجم.

قال "محمد"، الذي كان يقضي شهره الـ21 في الخدمة العسكرية الإلزامية، إنه شارك في الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر 2017، وهي الأكبر في البلاد منذ الثورة الخضراء في 2009، والتي أودت بحياة 25 شخصًا، إنه مثل كثيرين آخرين، صرخ بشعارات تدافع عن ارتفاع تكاليف المعيشة وانعدام الحرية في بلاده وأخيرا  بـ"الموت للديكتاتور".

وأفادت الشرطة، بأن ما يقرب من 5 آلاف متظاهر اعتقلوا في 80 مدينة حيث اندلعت المظاهرات، وتقول السلطات إن 90٪ من المعتقلين كانوا دون سن الـ25، تقدم هذه الإحصائية رؤية نادرة في التركيبة السكانية للمتظاهرين، وإلى مجموعة فرعية من شباب الحضر اليوم، الذين يختلفون بشكل كبير عن الجيل الذي سبقهم، ويعارضون الحكم الراديكالي.

كما تظاهرت الفتيات ضد قانون الحجاب القسري، في ظاهرة هي الأولى من نوعها.

يعتقد الإيرانيون الذين ولدوا قبل الثورة أو أثناء الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، أنهم كانوا بطيئين في التغيير من خلال صندوق الاقتراع، حيث قاموا بانتخاب الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي لفترتين متتاليتين، بسبب خطاباته عن الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق المواطنة، أي عن كل الموضوعات التي لم يسمع بها من قبل في السياسة الإيرانية، منذ ذلك الحين، مرت 20 عامًا، لا يعرف من هم مثل محمد المتمرد في شارع برلين شيئًا عن خاتمي الذي تم منعه من الظهور الإعلامي منذ عام 2001.

لم يصوت محمد في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2011، حيث أعيد انتخاب الإصلاحي أيضًا، حسن روحاني بنسبة 57%.

يعترف "محمد"، بأنه لا يعارض العنف، حيث انضم قبيل الاحتجاجات إلى حركة "Restart" وهي حركة قادها منشق يعيش في الولايات المتحدة، وحكى أنهم قاموا بإشعال النار في المساجد، وكسر نوافذ المباني العامة.

وأضاف "محمد"، أنه شارك في الاحتجاجات لإخافة الدولة، لترى أن الشعب قد طفح كيله من الوضع الحالي، لكنه لا يريد للنظام أن يسقط "إذا حدث ذلك، فسوف ينتهي بنا المطاف مثل أفغانستان".

شباب آخرون يجلسون في مطعم في شارع برلين، الأولاد موشومون، والفتيات يثقبن أنوفهن وحواجبهن، يضعن أحمر شفاه وطلاء أظافر بألوان داكنة، وصبغن شعورهن بألوان مثل الأحمر والأزرق والأصفر، يظهرنه من تحت غطاء الرأس المعروف اصطلاحا بالحجاب والذي يكشف عن نصفه لتجنب الصدامات مع "شرطة الأخلاق" التي تطبق قواعد الملبس في الشوارع.

من بين الفتيات في المطعم تجلس الأختان، فاطمة والزهراء، في سن الـ17 و18 على التوالي، ولم تأتيا من المناطق الشمالية الغنية لطهران، بل من المنطقة الشرقية المحافظة التي تسكنها الطبقة العاملة.

وتقول فاطمة التي ترسم وتبيع رسوماتها على "إنستجرام": والدينا متدينون للغاية، وأمي ترتدي الشادور.. لم يعرفوا أننا سنثقب أنوفنا، وعندما اكتشفوا ذلك لم يكونوا سعدءا..قلت لهم إنني فعلت ذلك بأموالي الخاصة..لم يكن هناك شئ يمكنهم القيام به.. لقد كافحت دائما وسأواصل القتال".

تقول عالمة الاجتماع مسيرات إبراهيمي : "شارع برلين مكان رائع حيث يأتي طلاب المدارس الثانوية والجامعات إلى هنا لرؤية حلم إيران المثالية، حيث يمكنهم فعل ما يريدون، حيث لن يضايقهم، ويمكنهم ارتداء ما يحلو لهم، والذهاب إلى الحفلات الموسيقية دون أي مشاكل..مطالبهم بسيطة وملموسة وفردية. كلمات محببة لشيوخهم مثل الديمقراطية والصحافة الحرة وحقوق الإنسان وحرية التعبير..لا يمكن سماعها.

وأوضحت: الجيل الذي ولد قبل الثورة وخلال الحرب عاش في عهد خاتمي، لقد كانوا مثاليين ومسيسين للغاية ، وكانوا يتطلعون نحو المستقبل. لكن بالنسبة لشباب اليوم ، فإن الحرية هي أولًا وقبل كل شيء فردية، مذهبهم المتعة "Hedonism". إنهم يريدون عيش اللحظة الحالية..وهذا أيضا يميزهم عن شيوخهم.

على عكس أطفال الثمانينيات ، لم ينشأ هذا الجيل في خوف من التفجيرات المتكررة للحرب الإيرانية العراقية. كما أنهم لم يعانوا من نقص الغذاء وتقنين جميع المنتجات اليومية تقريبا، عندما تعود الغالبية العظمى من المواطنين إلى نفس مستوى المعيشة.

في الفترة التي تلت الحرب، أثناء رئاسة محمود أحمدي نجاد 2005-2013، وتحت العقوبات الدولية التي تهدف إلى إعاقة البلاد عن مواصلة برنامجها النووي، أصبحت طبقات كاملة من المجتمع الإيراني أكثر ثراءً، خاصة بسبب قربها من السلطة. لقد ازدادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما غيّر العلاقة الإيرانية مع المال بشكل عميق. لم يعد الأثرياء يحاولون إخفاء ثروتهم. قادوا سيارات بورش ومرسيدس في شوارع طهران المريضة بالشلل المروري، وفقدوا الفضيلة الثورية منذ ضبط ساعاتهم الـ"رولكس".