فتاة مدللة، تأمر فتُطاع، عاشت حياة مرفهة لم تذق فيها طعم الفقر أو الشقاء، وبالرغم من نشأتها في أرقى أحياء المهندسين، وطفولتها في أفخم الأندية والأماكن، إلا أن ذلك لم يبث بداخلها سوى كره وضغينة لبلادها، ليكبر السخط بداخلها وتصبح واحدة من وأخطر الجاسوسات التي تم تجنيدها لصالح إسرائيل في السبعينات.


وبمهارة ودهاء، استطاعت الفتاة اليهودية أن تجذب المصرية إلى السفر معها إلى إسرائيل، وتم تجنيدها من الموساد، وفي وقت الحرب، كانت هبة سليم بمثابة الصفقة الرابحة بالنسبة لهم، لتخضع لتدريبات وتتلقى تعليمات لتصبح جاسوسة لإسرائيل في مصر، وعادت إلى القاهرة، ومجتمعها وناديها، لتستغل الفتيات في الحصول على معلومات وتجنيدهن، وأثناء إقامتها، أعجب بها أحد الشباب، ولكنها لم تكن تضع في حسبانها الزواج أو الحب، فتجاهلته، ولكن بعد علمها بمنصبه كان للموساد رأي آخر في قصة الحب.

ومثلما ينقلب السحر على الساحر، كان الضابط هو بداية سقوط الجاسوسة الإسرائيلية، فبعد تسريب أسرار عسكرية عن الحرب، بدأت أصابع الاتهام تحيط بالضابط العاشق المغفل، وبعد ترصده تبين أنه قام بتركيب جهاز إرسال لإسرائيل ليخبرهم بالمعلومات بعدما جندته هبة سليم، ونجحت المخابرات المصرية في القبض عليه واستجوابه حتى تم الحكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص، وحتى لحظاته الأخيرة، كان يظن أن الموساد لن يتركه يعدم وسيتدخل في الوقت المناسب، حتى انهار لحظة تنفيذ حكم الإعدام.
ومع انسدال ستار الجاسوسة المصرية الهاربة، بدأت المخابرات لمصرية تحكم شباكها لاصطيادها، ومع البحث عن طريقة لاستقطابها إلى مصر، تم إبلاغ والدها أنها شاركت مع منظمة فلسطينية ضد إسرائيل، وأن الكيان الصهيوني يبحث عنها مع ضرورة التدخل المصري لحمايتها منهم، وتتم إقناع والد الفتاة بافتعال قصة مرضه، وإبلاغها بضرورة القدوم إليه، أثناء إقامته في ليبيا، واتفقت المخابرات المصرية مع ليببا، وبعد تأكد الموساد من خبر مرض الأب ومكوثه في أحد المستشفيات، غادرت هبة سليم إسرائيل متجهة إلى ليبيا ولكن تم تحويل مسارها إلى القاهرة لتتفاجأ بنفسها في مطار القاهرة، لتقودها المخابرات المصرية إلى سجن القناطر.
وبالرغم من حداثتها وصغر سنها، إلا أن هبة سليم كانت مدربة على أعلى مستوى، ثباتها الانفعالي وثقتها بنفسها أبهرت جميع من حولها، وظلت تقنع الضباط أنها لا تتدخل في الحرب بل رغبت في تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل، مقتنعة أن الموساد سيتدخل في الوقت المناسب لإطلاق سراحها ولن يتركها للإعدام.
ويقال إن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بكت حزنًا على مصير هبة التي وصفتها بأنها "قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل"، وعندما جاء هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، ليرجو السادات تخفيف الحكم عليها، كانت هبة تقبع في زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الأمريكي، حيث تنبه السادات فجأة إلى أنها قد تصبح عقبة كبيرة في طريق السلام، فأمر بإعدامها فورًا، ليسدل الستار على قصة الجاسوسة التي حيرت المخابرات المصرية وحزنت عليها الموساد الاسرائيلية.
وحتى اللحظة الأخيرة، لم تتهاو الفتاة المصرية، وظلت مقتنعة بخروجها، حتى أنها أرسلت خطابا للسادات حينها للعفو عنها، وظلت ثقتها بنفسها داخل زنزانتها حتى أنها كانت تتزين وتتعطر كما أنها طليقة، حتى أن الضباط لم يعلموها قبل إعدامها بالقرار، حتى وجدت نفسها على حبل المشنقة، وماتت عام 1974 وهي ذات الـ25 ربيعا، وتم تجسيد قصتها في فيلم "السقوط إلى الهاوية"، بطولة مديحة كامل ومحمود ياسين، ولكن تم تغيير بعض الأحداث في الفيلم.