الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خوفا على القرآن من التلحين.. كيف بدأ تشكيل وتنقيط حروف اللغة العربية

صدى البلد

تميزت بعذوبة كلماتها، وفصاحة تعبيراتها، وتعدد مرادفاتها، ذات الأصول ثلاثية ورباعية وخماسية، اتسعت لتحتوي الحروف والأسماء والأفعال، تتجمل بالاستعارات والكناية، وتتزين بالوزن والقافية، لا تضيق بالتكرار بل احتوته، تفاخروا بها قديما و تبارزوا بكلماتها، لتغدو اللغة العربية اليوم متميزة متفردة بين لغات العالم.

لغة الضاد متربعة على العرش فوق باقي اللغات، متفردة بحرف، ثمانية وعشرون حرفا بالتمام والكمال لا يوجد لغة تنطقهم جميعا كما ينطقها العرب، وفي كتابتها، برز الفنانون والرسامون للحروف، برعت الأنامل في تخطيطها، وبين ثنايا اللغة العربية وتفاصيلها التي وقف أمامها العالم، تميزت عن غيرها بالنقاط فوق الحروف والتشكيل فوق الكلمات لنطقها، وخلال رحلة بحث أسلافنا في اللغة وجدوا أنفسهم أمام مأزق نطق الحروف بشكلها الصحيح في الجمل وخاصة في القرآن الكريم.

ومع جمع القران الكريم، اختلفت طرق تلاوته ونطق الآيات بشكل صحيح لتعطي معناها المراد منه، ومع دخول الأعاجم في الدين الإسلامي، وانتشار الأغاني والتلحين، خشي المسلمون من تحريف تلحين تلاوة القرآن الكريم، فطلب زياد بن أبيه، الوالي عهد الخلافة الراشدة، حل هذه المشكلة من أبي الأسود الدؤلي، عالم النحو واللغة الفصيح الذي اشتهر ببلاغته.

وقف أبو الأسود الدؤلي، عالم النحو أمام كلمات المصحف، وفكر في طريقة لتوحيد القراءة، فوضع نقطة فوق الحرف لتدل على الفتحة، و أخرى أسفله لتدل على الكسرة، وثالثة يسار الحرف لتدل على الضمة، ونقطتين فوق الحرف أو تحته أو يساره لتدل على التنوين، أما الحرف الساكن فتركه بدون أي علامات لإبعاد أي حركات عنه.

وأثناء تواجده في العراق، علم الأمير بما فعله من فصاحته ودهائه، وبدلا من استخدام تلك العلامات في المصحف فقط، أمره بضبط اللغة وقام أبو الأسود الدؤلي بالاستعانة بعلامات كانت مستخدمة من قبل السريان للدلالة على الرفع والجر والنصب ، ولكي تميّز بين الاسم والفعل والحرف .

وخلال القرن الثاني من الهجرة، وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي طريقة أخرى تنقيط الحروف مشابهة لما وضعه الدؤلي، تضمنت وضع ألف صغيرة مائلة فوق الحرف وذلك لتدل على الفتحة، ووضع ياء صغيرة تحت الحرف لتكون دالة على الكسرة ، و الواو الصغيرة فوق الحرف لتكون دالة على الضمة ، وفي حالة التنوين كان يكرر الحرف الصغير.

أخذت تلك الطريقة في التطور إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم، كذلك فقد جعل السكون الخفيف الذي لا إدغام فيه رأس خاء أو دائرة صغيرة ، بينما الهمزة فقد جعلها رأس عين ، ونفذ العديد من الإصلاحات الأخرى مثل وضع الشدة، وقام بتغيير رمز الشدة من نصف الدائرة إلى رأس الشين ، كما أضاف الكثير من الأشياء إلى الكتابة العربية التي لم يتمكن أحد بعده إضافة شئ لها .

وضع أبو الأسود الدؤلي إرهاصات تشكيل الحروف، ليأتي نصر بن عاصم الليثي أحد تلامذته، ويستكمل الطريق الذي بدأه معلمه في تنقيط الحروف، و بفصاحته وفقهه للغة العربية، ونباغته في علوم النحو والأدب سطر اسمه في تاريخ اللغة العربية، ليتفق العلماء أن نصر بن عاصم الليثي هو صاحب الدور الأكبر والابرز في عملية تنقيط الحروف.

قام الليثي بتنقيط الحروف بمساعدة يحيى بن يعمر العدواني في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، كما قاما بترتيب الحروف الهجائية بالطريقة الشائعة في يومنا هذا ، وأهملا ترتيب الحروف الهجائية على الطريقة القديمة" أبجد هوز".

ومع الفتوحات الاسلامية، ودخول الاجانب للاسلام، حفظ المسلمون على اللغة العربية من التحريف أو التغيير، بل حرسوها وقامو بتحصينها من أي تعديل قد يطرأ عليها، لتمر القرون والسنون وتبقى اللغة العربية كما وضعها أسلافنا.