الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أحمد الصاوي يكتب: النبي وصاحباه وفن حل الأزمات 8

د. أحمد الصاوي يكتب:
د. أحمد الصاوي يكتب: النبي وصاحباه وفن حل الأزمات 8

تحدثنا في المقالات السابقة عن دولة أسسها النبي عليه الصلاة والسلام وقام بحل جميع مشاكلها البيئية الصحية والإقتصادية المالية ، والأمنية الداخلية بالضرب بيد من حديد لكل من يعبث بأمن وأمان الدولة ، ومن ثم تم إجلاء يهود بني قينقاع والنضير وقريظة ، وتحقيق الأمن الخارجي برد عدوان المعتدين من الدول المجاورة كما حدث في بدر وأحد والأحزاب وهنا نلاحظ أمرين :
الأول : أن الجهاد بمعنى القتال لم يفرض على المسلمين إلا في السنة الثانية من الهجرة وتحديدا في هذا الشهر وهو شهر شعبان لأن بعدها بشهر ستكون غزوة بدر ، ولم يفرض الجهاد بمعنى القتال طيلة خمسة عشر عاما منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فيا ترى ما السبب في ذلك ؟
الكثير من الناس يعتقد أن السبب أن الإسلام كان ضعيفا ثم لما قوي بعد الهجرة فرض الجهاد بمعنى القتال ، وهذا بعينه ما يردده المستشرقون ، ومن ثم نجد العلمانيون يتهمون الإسلام بالانتهازية ، لما كان ضعيفا لا يقاتل ، ولما أضحى قويا قاتل وهذا فهم خاطىء .
فالجهاد بمنى القتال فرض بعد الهجرة من وجهة نظري حينما أصبحت هناك دولة ، وأصبح للدولة رئيس ، وأصبح للدولة جيش نظامي يتحرك بأمر من رئيس الدولة ، وبقرار منه شخصيا بعد مشاورة القيادات والموسسات الرسمية في الدولة ، حتى يكون هناك نظام ، ولا يظهر ما نراه في هذه الأيام من سفك للدماء في كل مكان ومن قيام بعض الشباب المخدوع بإعلان الجهاد وخروجه من وطنه إلى أماكن أخرى ليجاهد في سبيل الله ،هذا ليس جهادا الجهاد يكون من خلال الجيش النظامي بقرار من رئيس الدولة ، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بل إن النبي عليه السلام رفض عمليات الاغتيال لعباد الأوثان ، كما ذكر القرطبي في تفسيره عن قتادة بن دعامة السدوسي : أن الصحابة قالوا : يا رسول الله إذن لنا أن نأتيهم أي نغتالهم ، فلم يأذن لهم النبي عليه السلام ، وأنزل الله تعالى ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) ومن ثم فعمليات الاغتيال لغير المسلمين فضلا عن المسلمين غير مأذون بها .
الثاني : أن الجهاد بمعنى القتال كان جهاد دفع للدفاع عن الدولة ضد المعتدين في بدر لإسترداد الأموال المنهوبة التي أخذها عباد الأوثان في مكة حينما باعوا بيوت وأملاك المهاجرين في مزاد علني ‘ ودفعوها لأبي سفيان ليتاجر بها ‘ فخرج النبي عليه السلام بثلثمائة وبضعة عشر رجلا لإسترداد الأموال لا للقتال ‘ فكان ما كان وكانت غزوة بدر ، وفي أحد ، والأحزاب ، كانت للدفاع عن دولة الإسلام وحينما سمحت الفرصة لعقد اتفاق سلام كان صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة لتحقيق الأمن والأمان ليس داخل دولة الإسلام ، وإنما لتحقيق الأمن والأمان الإقليمي داخل الجزيرة العربية ، ثم محاولة تحقيق لأمان والأمان العالمي عن طريق رسايل السلام التي أرسلها محمد عليه الصلاة والسلام لملوك ورؤساء وزعماء العالم فكان صلح الحديبية فتح كبير أنزل الله فيه سورة من كتابه الحكيم تتلى إلى يوم الدين سماها سورة الفتح وهذا الفتح أو الصلح يرد على المستشرقين ، وأتباعهم من العلمانيين الذين يتهمون الإسلام بأنه دين إرهاب وسفك للدماء وأنه انتشر بحد السيف ‘ فأين هذا الإرهاب من نبي يمنع أصحابه من عمليات الإغتيال حتى لعباد الأوثان الذين يؤذونهم ‘ أين هذا الإرهاب من نبي خاض حروبا دفاعية عن وطنه ودولته ‘ أين هذا الإرهاب من نبي دعا الأعداء إلى صلح وهدنة وسلام ممثلة في صلح الحديبة
ففي شهر شوال من السنة السادسة من الهجرة، يعني: بعد مرور سنة من غزوة الأحزاب، رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا: رأى أنه يدخل البيت الحرام هو وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين معتمرين، ورؤيا الأنبياء حق، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيأخذ أصحابه ويذهب في رحلة عمرة جماعية إلى مكة المكرمة إلى عقر دار قريش، وهذا أمر صعب جدًا، فهم قبل سنة واحدة فقط جاءت الأحزاب في عشرة آلاف مقاتل: ( 4000 ) من قريش والقبائل التي تحالفها، و( 6000 ) من غطفان ـ وهم مرتزقة ذلك الزمان يقاتلون مع من يدفع لهم وما ااكثر جيوش المرتزقة الذينيسقطون دولا ، ويؤججون صرعات في كل مكان في العالم في هذا الزمان حفظ الله مصرنا وحفظ جيشنا الوطني ـ ، جاءوا يحاصرون المدينة المنورة بغرض استئصال المؤمنين بكاملهم.فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد مرور سنة واحدة من غزوة الأحزاب في شجاعة منقطعة النظير يأمر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالتجهز لأداء العمرة، وليس بينه وبين قريش أي نوع من المعاهدات أو الصلح أو الاتفاقيات.لما ذكر صلى الله عليه وسلم هذا الأمر لصحابته رضي الله عنهم وأرضاهم قبل الجميع من الصحابة ذلك دون تردد، بل اشتاقوا إلى الأمر، مع أن السفر إلى مكة المكرمة في ذلك الوقت سواء للعمرة أو غيرها يحمل خطورة شديدة جدًا عليهم، والمسلمون قد تحملوا الكثير والكثير قبل ذلك من قريش، وقريش لم ترع أي حق للبيت الحرام ولا للبلد الحرام، فقد انتهكت حرمة البلد الحرام قبل ذلك كثيرًا، ومع ذلك لم يتردد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في قبول الأمر النبوي بالذهاب إلى العمرة، وقد حاول الرسول صلى الله عليه وسلم الاستفادة قدر المستطاع من قوانين المجتمع المشرك التي يعيش فيها، أي: الأعراف الدولية في ذلك الوقت، أعراف الجزيرة العربية، وأعراف قريش ذاتها تقضي بأن الذي يذهب إلى مكة المكرمة لأداء العمرة آمن مهما كان بينه وبين قريش من خلافات، فهل ستحترم قريش هذه القوانين القديمة أم لا؟! هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم بمشيئة الله تعالى