الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التسامح والصداقة .. أمين رابطة العالم الإسلامى يحاضر في الجامعة الكاثوليكية الإيطالية

جانب من المحاضرة
جانب من المحاضرة

ألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس مجلس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، محاضرة عن الصداقة والأخوة بين الأمم والشعوب بدعوةٍ من الجامعة الكاثوليكية الإيطالية ، مستعرضًا نماذج من ذلك تمثلت في العلاقة الإيجابية بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي والتي توطَّدت مؤخرًا من خلال العلاقة المتميزة بين رابطة العالم الإسلامي والفاتيكان.

وقال إن قيمة الأخوة والصداقة تعني لنا جميعًا المحبة، والضمير الصادق، والثقة المتبادلة، وبالتالي سهولة الحوار والتفاهم، والعمل سويًا على المشتركات التي نتفق من خلالها على قيمنا الإنسانية التي تمثل القانون الطبيعي لنا جميعًا والذي رسخته الشرائع السماوية، موضحًا أن الصداقة هي أجمل ما يمكن أن نتحدث عنه، وعندما نقول الصداقة نعني بها الصداقة الفعَّالة، وليست الصداقة المرحلية التي تتبادل المصالح أو المجاملة المادية والإعلامية؛ فهذه لا تعدو أن تكون ظاهرة شكلية لا قيمة لها.

وأضاف ان الأفكار المتحضرة تتميز من خلال تفاعلها الإيجابي مع مفهوم الأسرة الإنسانية الواحدة، وتفاهم وتعاون أتباع الأديان والثقافات، والاحترام المتبادل بينهم، وبالتالي حوار وتفاهم وتحالف الحضارات لخدمة الإنسانية في سلامها ووئامها الذي نتحمل جميعًا مسؤوليته فيما يخصنا، مؤكدًا أنه من الطبيعي أن نختلف دينيًا وسياسيًا وفكريًا وثقافيًا، لكن ليس من المقبول أننا بسبب هذا الاختلاف لا نتعارف ونتقارب ونتحاور ويُحبَّ بعضنا بعضًا ونعمل سويًا على مشتركاتنا، والتي أجزم أن عشرة بالمائة منها فقط كفيلٌ بإحلال السلام والوئام في عالمنا.

وأضاف د. العيسى انه عندما خلق الله تعالى البشر جعل بعضهم محتاجًا لبعض مهما اختلفوا، وجعل الصدام بينهم شرًا عليهم جميعًا، مهما توهم البعض أنه انتصر، فالنصر إذا حصل فهو مؤقت وموهوم وليس نصرًا حقيقيًا، ووقائع التاريخ تشهد بذلك، وفي الوقت الذي لا يمكن السماح فيه بفرض القناعات لا يمكن السماح في المقابل بالإساءة للوجدان العام والسكينة العامة وازدراء قناعاته بأي تصرف له أثر ضار.

وتابع: "باختصار لا بد أن أشير في هذا الموضوع لأمر مهم وهو أن  المنتصر الحقيقي في الحوار الموضوعي بين أتباع الأديان والثقافات هي القيم؛ لكن ما هي القيم التي نعني؟ وبالتالي ما هي القيــــم التي نريـد؟ إنها باختصار المشتركات الإنسانية.. ولا بد لنا حتى نُطَبّق هذه القيم من أرضية تؤسِّسُ لها، ترتكز على عدة أمور، أهمها : "كفاءة التعليم ، وكفاءة قيادة الأسرة".

ولفت د العيسى ، إلى أنه من المهم الإشارة إلى العلاقة القوية بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي والصداقة التي تترسخ كل يوم بين هذين العالمين؛ لقد كان للبابا فرانسيس مواقف عادلة مع الإسلام والمسلمين صرَّح بها أكثر من مرة، والمسلمون يقدرون بشكل كبير هذه التصريحات ويُقدرون كذلك صداقته مع العالم الإسلامي، ولقد عقدنا مؤتمرًا تاريخيًا في مكة المكرمة اجتمع فيه عموم المفتين والعلماء المسلمين حضره أكثر من ألفٍ ومائتي مفتٍ وعالم من جميع الطوائف الإسلامية وعددهم سبع وعشرون مذهبًا وطائفة، جاؤوا جميعًا تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي وعلى بعد خطوات من الكعبة المشرفة، وأعرب عدد منهم في كلماتهم عن تقديرهم لتصريحات البابا حول الإسلام والمسلمين وبخاصة في أعقاب الأعمال الإرهابية التي قام بها مجرمون محسوبون زورًا وكذبًا على الإسلام، كما أننا في المقابل لا يمكن أن نحسب الأعمال الإرهابية التي قام بها مجرمون منسوبون إلى أديان أخرى على تلك الأديان التي يدعون اتباعهم لها.

وفي ختام محاضرته ذكر الشيخ العيسى نماذج يقدرها بشكل كبير تعكس القيم الرفيعة للعلاقة بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي والمتمثلة في لقائي باسم الشعوب الإسلامية التي تمثلهم رابطة العالم الإسلامي من مقرهم المقدس وقبلتهم الجامعة مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية وذلك مع البابا فرانسيس حيث دار معه حوار التقدير المتبادل والمزيد من التطلع نحو تعميق الصداقة والتعاون.

كما أستذكر العيسى صداقته مع الراحل الكاردينال جان لوي توران والذي قام بزيارة تاريخية للمملكة العربية السعودية مع وفد المجلس البابوي للحوار بين الأديان في إبريل 2018، وخلال هذه الزيارة التقوا بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وتم توقيع مذكرة تعاون بين رابطة العالم الإسلامي والمجلس البابوي للحوار في مدينة الرياض، وعندما يكون هذا التوقيع في المملكة العربية السعودية ومع رابطة العالم الإسلامي التي تمثل الشعوب الإسلامية من قبلتهم الجامعة مكة المكرمة فهذا يعني الكثير لدى المسلمين بل وغير المسلمين؛ فمحور العالم الإسلامي ومحور تطلع المسلمين هو إلى القبلة الجامعة لهم في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية.

وسجل العيسى تقديره لصداقة الكاردينال ميخائيل أيوسو الرئيس الحالي للمجلس البابوي للحوار بين الأديان والذي سعدنا أيضًا بزيارته إلى المملكة العربية السعودية ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في إطار زيارة الكاردينال توران؛ لقد كانت تلك الصداقات العميقة مثالًا لما يجب أن يتواصل به محبو السلام ومحبو الخير.

من جهة أخرى وقع الشيخ العيسى مع مدير الجامعة الكاثوليكية السيد فرانكو انيلي اتفاقية للتعاون والشراكة بين الجامعة ورابطة العالم الإسلامي، بهدف تطوير وتحسين برامج اللغة العربية ونشاطات البحوث الثقافية العربية والإسلامية.

وتأتي أهمية الاتفاقية في ظل ما أنجزته الجامعة الكاثوليكية خلال السنوات الأخيرة من دراسات وبحوث وبرامج ومبادرات تدريبية مرتبطة باللغة والثقافة العربية، وانطلاقًا من حرص الرابطة على دعم وتعزيز وتحسين كل الجهود التي تبذلها المؤسسات الأكاديمية العالمية في حقول اللغة والثقافة العربية والإسلامية، وبذل كل ما تمتلكه من خبرات وإمكانات كبيرة في سبيل تسهيل وتطوير العمل في هذا المجال.

ويسعى الجانبان عبر هذه الشراكة إلى تعزيز البحوث في هذه الميادين، من خلال مبادرات تدعم حلقات ومسارات عن اللغة والثقافة العربية، وتنفيذ مشاريع بحثية نظرية وتطبيقية تقدم إلى مركز بحوث اللغة العربية بالجامعة، مع تركيز خاص على المشروعات المعنية بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها.

كما أقرت اتفاقية رابطة العام الإسلامي والجامعة الكاثوليكية تأسيس زمالات لمنح شهادة الدكتوراه في الحقول ذات العلاقة باللغة والثقافة العربية.

وكشف العيسى عن إطلاق مبادرة عالمية ستعمل عليها الرابطة بكل إمكانياتها وهي تحمل عنوان: (تعزيز الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب.. من أجل عالم أكثر تفاهمًا وسلامًا.. ومجتمعاتٍ أكثرَ وئامًا واندماجًا).

وتابع العيسى أن مشكلة الأسرة الإنسانية ليست في شكلية الصداقة فهذه من السهولة أن تقال لكنها تظل جسدًا منحوتًا بدون روح؛ بل المشكلة والمُعاناة الحقيقية تكمن في عدم القدرة على إيجاد القيمة العليا للصداقة، والتي يجب أن تكون ملهمة للآخرين من خلال تعبيرها الرائع والصادق، والمشكلة الأكثرُ ألمًا هي رفضُ هذه الصداقة بسبب تحفظ سياسي أو ديني أو فكري أو عنصري، وهذا التحفظ يعني وجود تطرف يهدد صداقة وسلام ووئام عالمنا.
وقال د.العيسى إن على المنصات الدينية والتعليم والأسرة مسؤولية كبيرة ومن هنا تأتي أهمية قيام كل منها بواجبه الأخلاقي. كما من المهم أن يراعي خطاب المشاركة الدينية الذي يهدف إلى الإسهام في تعزيز السلوك الإنساني كلًا من الروح والعقل والواقع، مضيفًا أن عزوف البعض وخاصة في صفوف بعض الشباب عن المشتركات الإيمانية التي نتحدث عنها سويًا يعود إلى ضعف كفاءة مخاطبة المنطق والعقل وضعف التأهيل في مناقشة الموضوعات المثارة. 

وأشار د العيسى إلى أنه: من واقع علاقتي بالأديان جميعًا أدرك أن هناك فراغًا في أسلوب مخاطبة الشباب، والذي يريد مخاطبة منطقه وأسلوب تفكيره وأن يَنْزل لمستوى مشاعره والمحيطِ الذي يعيشه الشباب. مؤكدا إن كل سلوك سلبي يتعلق بانحدار القيم والأخلاق وخاصة البعد عن الإيمان نتحمل مسؤوليته بالتضامن كل فيما يخصه، وإن ضبط القيم الأخلاقية والمحافظة على معنى الإنسانية يبدأ من "الوجدان" و"العقل" معًا والتفكير في منطقة الواقع والقدرة على استيعابها وتحليلها وإيجاد الحلول لها، وقد نشخص الحالة تشخيصًا صحيحًا لكن قد لا نحسن وصف علاجها وقد نحسنه لكن لا يتم أخذه بالطريقة الصحيحة، لقد دخلت على عالمنا مظاهر لا يقبلها الإيمان بالخالق وبالتالي ترفضها كافة الأديان السماوية، وهي تنحدر بالإنسان لتجرده من كل القيم التي ميزته كإنسان.

واعتبر إن انعزال الأديان في دُور عبادتها بعيدًا عن القيام بواجبها الأخلاقي والإنساني ينافي الواجب عليها ويحولها إلى مؤسسات شكلية ويزعزع الثقة بها. ومن المهم أن تأخذ الأديان بزمام المبادرة للحوار المفضي للمحافظة على القيم الإنسانية والسلام والوئام بين الجميع، وأن تكون حكيمة ومترفقة مع مخالفيها.