مذبحة كوبري عباس.. حكاية أكبر مظاهرة طلابية خرجت ضد الاحتلال فغرقت في النيل

كوبري عباس هذا الجسر الممتد من ميدان الجيزة حتى حي منيل شيحة الشعبي، شريان الحياة اليومية لدى المصريين، ومحط نزههم المسائية حيث نهر النيل، وملاذ العشاق الذي تفنن في الغناء له المطرب الشعبي محمد عدوية، لكن لم يكن ذلك فحسب، بل كان طريقا للاحتجاج في أربعينيات القرن الماضي، حيث صاحبته أحداث سياسية هامة لا تزال عالقة في أذهان المصريين.
ومن ضمن هذه الأحداث التي تحل ذكراها اليوم؛ حادثة كوبري عباس 9 فبراير 1946، حيث خرج آلاف الطلاب في مظاهرة من جامعة الملك فؤاد الأول إلى قصر عابدين للمطالبة بجلاء الإنجليز وقطع المفاوضات، وقامت الشرطة آنذاك بفتح "كوبري عباس" بأمر من رئيس الوزراء وزير الداخلية محمود فهمي النقراشي عندما كان يمر من فوقه الطلبة، وأدى ذلك إلى تساقطهم في نهر النيل ووفاتهم غرقًا وإلقاء القبض على من نجا منهم.
فما القصة؟
في عام 1945، كلف الملك فاروق، حاكم مصر وقتها، محمود باشا فهمي النقراشي، والذي كان يشغل منصب وزير الداخلية، بتشكيل الوزارة، في ٢٤ فبراير ١٩٤٥ وعمل على إعادة المفاوضات مع الإنجليز، حتى تقدمت حكومته في ٢٠ ديسمبر ١٩٤٥ بمذكرة للسفير البريطانى بطلب بدء المفاوضات حول الجلاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
بريطانيا ترفض الاستقلال
وجاء الرد البريطاني في ٢٦ يناير ١٩٤٦ ليؤكد على الثوابت التي قامت عليها معاهدة ١٩٣٦ والتى أعطت مصر استقلالا منقوصًا يتمثل فى بقاء قوات بريطانية فى مصر لتأمين قناة السويس، وكان ردا صاعقا على الشعب المصرى الذى كان كله آمال فى الاستقلال، حتى اندلعت المظاهرات في أنحاء مصر تطالب بالجلاء وقطع المفاوضات.
الغضب المصري من الرد البريطاني
أصدرت اللجنة التنفيذية العليا للطلبة قرارًا بدعوة الطلاب لعقد مؤتمرات عامة وانعقد المؤتمر العام الأول في ٩ فبراير ١٩٤٦ في جامعة فؤاد الأول - جامعة القاهرة حاليًا- بالجيزة، وخرجت من الجامعة مظاهرة ضخمة وعبرت شارع الجامعة ثم ميدان الجيزة إلى كوبرى عباس في طريقها للتوجه إلى قصر عابدين للمطالبة بالاستقلال.
مذبحة الكوبري
وخلال المظاهرات وما إن توسط الشباب كوبري عباس، حتى حاصرهم البوليس من الجانبين وفتح الكوبرى عليهم وبدأ الاعتداء على الطلبة، فسقط البعض في النيل، وقتل وجرح أكثر من مائتى شخص، ثم عمت المظاهرات القاهرة والأقاليم، ليتحول نضال الشباب ومظاهراتهم إلى الشعلة التي أشعلت المظاهرات في الأقاليم، حتى أقيلت الحكومة.
كفاح شباب الجامعة ونضالهم ضد الاحتلال البريطاني
تسببت الحادثة في جرح وقتل ما لايقل عن 200 طالب منهم، حتى أطلق البعض عليها «مذبحة كوبري عباس»، وألقى اللوم على رئيس الوزراء النقراشي باشا، وكان يتولى وزارة الداخلية أيضًا، والبعض الآخر اتهم حكمدارى القاهرة، راسل باشا والجيزة فيتز باتريك باشا، لأنهما المسئولان عن قمع مظاهرات الطلبة.
وبالرغم من ذلك، فقد رحل الاحتلال الإنجليزي، وبقى كوبري عباس شاهدا على أشهر مجزرة ارتكبت ضد طلاب الجامعات، لتظل ذكراها محفورة في عقولهم وقلوبهم حتى الآن.