الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مقاتلات من النساء.. اللوفر أبوظبي يسترجع فروسية العصور الوسطى

اللوفر أبوظبي يسترجع
اللوفر أبوظبي يسترجع فروسية العصور الوسطى

يفتح معرض "فن الفروسية: بين الشرق والغرب" أبوابه لاستقبال الزوار في متحف اللوفر أبوظبي غدا الأربعاء ويستمر حتى 30 مايو. 

يأخذ المعرض الزوار في رحلة عبر الزمن لاكتشاف ثقافة الفروسية في العصور الوسطى في أوروبا المسيحية كما في العالم الإسلامي في الشرق، وذلك من خلال أكثر من 130 قطعة فنّية وأثرية تسلّط الضوء على نشأة الفروسية وتحوّلها إلى طبقة اجتماعية مرموقة، إلى جانب تجلّيها على أرض المعركة وفي أخلاقيات الفرسان في تلك العصور. 

قيم الفروسية
يضم المعرض قطعًا من أوائل القرن الحادي عشر وحتى القرن السادس عشر تشمل دروعًا ومخطوطات ومعاهدات إلى جانب شعارات الفروسية وقطع زخرفية مستوحاة من فن الفروسية، وهو يقوم على دراسة تاريخية مُقارِنة بين ثقافة الفروسية في الشرق وفي الغرب. إلى جانب ذلك، سيسلّط المعرض الضوء على قيم الفروسية مثل الشجاعة والنبالة والكرم والشهامة ليبيّن أوجه الشبه بين الثقافتين. 

وقال مانويل راباتيه، مدير متحف اللوفر أبوظبي: "إن صورة الفارس على صهوة حصانه صورة مترسّخة في أذهاننا. ونظرًا إلى مكانة مدينة أبوظبي كملتقى بين الشرق والغرب، فإن اللوفر أبوظبي هو المكان الأمثل لهذه الدراسة المقارِنة لمفهوم الفروسية. فالمعرض يلبي تطلعاتنا العالمية ويرسخ في الوقت عينه جذورنا في المنطقة. يأتي معرض "فن الفروسية: بين الشرق والغرب"، وهو المعرض الأول لهذا العام، في إطار موسم مجتمعات متغيّرة الثقافي الذي أطلقه المتحف. في النهاية لا بد لنا من توجيه الشكر إلى شركائنا من حول العالم الذين ساهموا في تنظيم هذا المعرض."

يُذكر أن المعرض يُقام بالتعاون مع متحف كلوني - المتحف الوطني للعصور الوسطى في باريس، ووكالة متاحف فرنسا، وهو من تنسيق إليزابيث تابوريه ديلاهاي، رئيسة أمناء متحف كلوني- المتحف الوطني للعصور الوسطى ومديرته السابقة، بمساعدة الدكتورة كارين جوفين، أمينة متحف لقسم الفنون الإسلامية في متحف اللوفر، وميتشل هوينه، رئيس أمناء متحف كلوني- المتحف الوطني للعصور الوسطى.

معارك وحروب
من جهتها، اعتبرت الدكتورة ثريا نجيم، مديرة إدارة المقتنيات الفنية وأمناء المتحف والبحث العلمي في متحف اللوفر أبوظبي أن "فن الفروسية في الشرق كما في الغرب تطلّب مهارات مشابهة، ليس فقط من الناحية الجسدية بل الدينية والفكرية أيضًا، فقد كانت ترتكز في المنطقتين على مبدأ الشرف والشجاعة والإيمان. يطّلع زائر المعرض على مقارنة لطرق تجلي الفروسية في القطع الفنّية في الثقافتين. إذ يسلط الضوء، خارج إطار المعارك والحروب، على تطوّر ثقافة الفروسية مع تطوّر المجتمعات في العصور الوسطى، من خلال الأدب والموسيقى والفنون، في إطار يأسر الفكر والأنظار."

أما سيفيرين لوباب، مديرة متحف كلوني فقالت: "يسلّط هذا المعرض الضوء، من خلال مجموعة واسعة من القطع الفنية والأثرية التي تعكس الطبقة الاجتماعية للفرسان في العصور الوسطى، على ثقافة الفروسية والقيم المرتبطة بها. فهو يسمح للزائر بالاطلاع على نمط حياة مجموعة من الأشخاص الذين لعبوا دورًا محوريًا في المجتمع آنذاك، في الشرق كما في الغرب. لذا، فإن هذا المعرض يتماشى إلى حد كبير مع المقاربة العلمية لمتحف كلوني الذي يسعى إلى تعريف العالم إلى العصور الوسطى ومجتمعاتها."

لقد عملت على تصميم طريقة عرض القطع في المعرض شركة "فينسنت كورنو أركيتكت" للهندسة المعمارية، وقد قدّمت تصميمًا ينقل الزائر إلى أجواء العصور الوسطى عبر ثلاثة أقسام هي ركوب الخيل والقتال وحياة الفارس، والتي تسلط الضوء على مختلف جوانب حياة الفرسان. عند دخول المعرض يرى الزائر درعي أحصنة ضخمين، الأول درع حصان عثماني من أواخر القرن الـخامس عشر من مجموعة اللوفر أبوظبي معروض إلى جانب درع حصان وفارس من أوروبا من الربع الأول من القرن السادس عشر مُعار من متحف الجيش في باريس، وذلك لإبراز أوجه الشبه بين الشرق المسلم والغرب المسيحي.

الفروسية عبر العصور
يستعرض القسم الأول من المعرض نشأة الطبقة الاجتماعية الخاصة بالفرسان من خلال القطع الفنّية والأثرية. إذ إن جذور الفروسية المترسخة في الشرق وتلك الخاصة بالغرب تشكل رمزًا للتغيرات التاريخية التي شهدتها تلك العصور، وخير مثال على ذلك "طبق يحمل صورةُ ملكٍ ساسانيٍ يصطاد الكِباش" (إيران، منتصف القرن الخامس، السادس)، والذي يصوّر ملكًا ساسانيًا مع درعه على صهوة حصانه. أما في الغرب، فقد أدى انحلال الإمبراطورية الرومانية إلى نشوء طبقة اجتماعية خاصة بالفرسان تتشارك القيم الشرقية التي تقوم على الإخلاص لله والتي يمكن التماسها من خلال المخطوطات مثل "قصة الكأس المقدّسة" (فرنسا، النصف الأول من القرن الرابع عشر).

يدعو المعرض زواره بعد ذلك لاكتشاف التبادلات الفنية والإبداعية بين الفروسية في الشرق من جهة وفي الغرب من جهة أخرى من خلال الأدلة الواضحة على هذه الثقافة. ففي الغرب، استُخدمت شعارات النبالة كشكل من أشكال التمييز الاجتماعي. وفي الإطار عينه، غالبًا ما قامت شعارات النبالة الشرقية على تفسير تلك الرموز الغربية، مثل زهرة الزنبق، التي كان يُشار إليها بالزهرة الفرنسية، والتي استخدمها العديد من السلاطين في القرن الرابع عشر. 

أما القسم الثاني من المعرض فيسمح للزوار باكتشاف قطع فنّية خاصة بالمعارك وفن القتال، مثل أسلحة الهجوم والدفاع والمعدات الخاصة بالخيول في القتال. فالمعدات هي من أبرز مميّزات الفرسان، وهي تبيّن أوجه الشبه بين الثقافتين الشرقية والغربية. إذ يرى الزائر "أجزاء حمّالة سيف" (إيران، القرن الرابع عشر) تحمل نقش "لا إله إلا الله، له الحكم"، وفي سياق مماثل، يجد العديد من الدروع الأوروبية التي تحمل شعارات دينية مثل "معركة داوود وجالوت" و"القديس جرجس يصرع التنين" (جمهورية التشيك، منتصف القرن الخامس عشر).

سقوط الأندلس والصليبيين
إلى جانب ذلك، يضم المعرض قطعًا تجسّد اللقاء بين الجيوش المسلمة والمسيحية، مثل سقوط الأندلس والحروب الصليبية، التي أدّت إلى تبادل ثقافي وعززت من الإبداع الفني عبر القصص الرومنسية والأشعار. إذ إن الأعمال مثل "قصة غودفري دو بويّون وصلاح الدين" (فرنسا، القرن الرابع عشر) على سبيل المثال تبيّن هذا التلاقي بين الثقافتين والمواجهات التي تمت بينهما في الآن عينه.

ويتتبع القسم الأخير من المعرض تطوّر ثقافة الفروسية مبيّنًا أوجه الشبه بين هذه الثقافة في الشرق وفي الغرب من خلال العديد من القطع التي تتنوّع ما بين التسلية مثل الصيد بالصقور والمبارزة ومسيرات الفرسان على الخيول، وبين علم دراسة الخيول والشطرنج.

إن مفهوم الفروسية الذي يتمحور حوله المعرض ظهر في عصور مختلفة، إذ إن ثقافة الفروسية وقصص الفرسان تجلت في عصور عدّة من خلال الأعمال الفنّية المستوحاة منها، انطلاقًا من لوحات المستشرقين الفرنسيين إلى "رواية تريستان والملكة إزولدا" لريتشاد فاغنر.

في هذا الإطار، يقدّم المتحف جلسة حوارية يشارك فيها منسقو المعرض يُطلعون من خلالها الحضور على تاريخ الفروسية من خلال الوقائع التاريخية والأساطير المرتبطة بالفروسية وقصص أبرز أبطال العصور الوسطى وصولًا إلى مفهوم البطولة في يومنا هذا.

الجدير بالذكر أن المعرض يترافق مع برنامج واسع النطاق من الفعاليات الثقافية التي عملت على تنسيقها روث ماكنزي، وأنه يتيح للزائر رؤية الثقافة المعاصرة من منظور تقاليد العصور الوسطى، وفي الوقت عينه رؤية هذه التقاليد من منظور معاصر.

كما يقدّم الفنان المصري المعاصر وائل شوقي عملًا مسرحيًا موسيقيًا بعنوان "أغنية رولان" يقوم على قصيدة ملحمية فرنسية من القرن الحادي عشر أو الثاني عشر، تمجّد حكم الإمبراطور شارلمان وابن أخيه رولان وغزواتهما. ويتمحور العمل حول الحملات الصليبية من وجهة نظر عربية، وهو يقوم على كتاب "الحروب الصليبية" للأديب أمين معلوف. ويقدّم العرض أكثر من 20 موسيقيًا ومغنيًا من الإمارات العربية المتحدة والبحرين يؤدون فيه نمطًا غنائيًا تراثيًا يُعرف بفن الفجري وهو مرتبط بغواصي اللؤلؤ في الخليج العربي. يُقام العرض في مسرح المتحف في 26 و27 فبراير الساعة 8 مساءً. يمكن شراء التذاكر عبر الموقع الإلكتروني مقابل 150 درهمًا للتذكرة الواحدة (السعر يشمل ضريبة القيمة المضافة). 

مقاتلات من النساء
أما بالنسبة إلى عطلة نهاية الأسبوع العائلية فهي ستأخذ الزوار في رحلة إلى العصور الوسطى عبر العديد من الأنشطة في حديقة المتحف وتحت القبة، إلى جانب عروض الأفلام واستعراضات الفرسان، وورش العمل والعديد من الأنشطة الأخرى. إذ ستسافر العائلات بالزمن إلى العصور الوسطى لاكتشاف قصص الفرسان والمقاتلات من النساء، كما ستتمكن من ابتكار الدروع الخاصة بها والاستمتاع بركوب المهر في حديقة المتحف، إلى جانب رؤية مجموعات من شرطة الخيّالة بلباسها الرسمي لتتعرف إلى تاريخ فرسان شرطة أبوظبي. المشاركة في الأنشطة مجانية 28 و29 فبراير 2020 من الساعة 3 بعد الظهر وحتى الساعة 6 مساءً.

إلى جانب ذلك، يشمل البرنامج الثقافي عرضًا للثلاثي جبران. فقد أصبح هذا الاسم الشهير مرتبطًا بنغمات العود. يتحدر الإخوة من عائلة من صانعي الآلات الموسيقية، وهم يقدمون عروضًا مبتكرة يعزفون فيها معًا كثلاثة عازفين منفردين تصدح أعوادهم بصوت واحد. وهم سيُقدّمون معزوفات من ألبوم "المسيرة الطويلة" في مسرح المتحف في 26 مارس الساعة 8 مساءً.  

يشارك الثلاثي جبران في جلسة حوارية حول الفروسية والموسيقى في العصور الوسطى إلى جانب عمر فوزي، صانع العود في بيت العود العربي، وذلك في 24 مارس الساعة 6 مساءً. كما سيقدّم عدنان وسمير جبران ورشة عمل متقدّمة يعزفان في خلالها مع خريجين وطلاب من بيت العود العربي في 25 مارس. 

ويضم المعرض قطعًا مُعارة من مجموعة من المؤسسات العريقة وهي متحف كلوني- المتحف الوطني للعصور الوسطى في باريس، ومتحف اللوفر في باريس، ومتحف اللوفر أبوظبي، ومتحف الجيش في باريس، ومتحف الفنون الزخرفية، والمكتبة الوطنية الفرنسية، ومتحف جان كلود بولار- كاريه بلانتاجينيه، ومتحف الفنون الجميلة في ليون، ومتحف المتروبوليتان للفنون، ومكتبة شيستر بيتي ومؤسسة فنون الفروسية.

يأتي معرض "فن الفروسية: بين الشرق والغرب" في إطار الموسم الثقافي 2019/2020 في اللوفر أبوظبي "مجتمعات متغيّرة". أما المعارض الأخرى التي يشملها الموسم: "لقاء في باريس: بيكاسو وشاغال وموديلياني وفنانو عصرهم (1900- 1939) (18 سبتمبر- 7 ديسمبر 2019)، و"10 آلاف عام من الرفاهية" (من 30 أكتوبر 2019 إلى 18 فبراير 2020) و"شارلي شابلن: حوار السينما والفن" (من 15 أبريل 2020 إلى 11 يوليو 2020).