الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طه حسين.. وبنت الجيران


تابعت لقاء على قناة «ماسبيرو زمان» أدارته باقتدار ومهنية الإعلامية ليلى رستم، وكان يضم كوكبة من المفكرين والأدباء، وعلى رأسهم د طه حسين ويوسف السباعي، ثروت أباظة، أمين يوسف غراب، عبد الرحمن الشرقاوي، نجيب محفوظ، ومحمود أمين العالم، وأنيس منصور، كامل زهيري، عبد الرحمن صدقي،  عبد الرحمن بدوي، وكل منهم قامة تنويرية كبيرة أضاءت دنيا الأدب والمعرفة فجميعهم من قادة الفكر والثقافة والأدب، ليس في مصر أوالعالم العربي فقط بل كانوا علامات مضيئة في تاريخ الإنسانية ونوافذ القوة الناعمة للدولة التي تعكس واقعها الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي.


وشاهدت المثقف كما يجب أن يكون والإعلامية القديرة في حضور قامات كبيرة، وهي تحاورهم مستندة على خلفية ثقافية فكانت عملاقة في حضرة عمالقة.


وفي نفس اليوم شهدت لقاء تلفزيونيا على شاشة إحدى القنوات مع أحد ما يطلق عليهم مطربين، وما إن بدأ يغني وحتى دخلت ما يطلق عليهن مذيعات في وصلة رقص وبعيدا عن مستوى الضيف والمضيف وجدت نفسي في حالة مقارنة لا إرادية بين الماضي والحاضر ما كان وما نحن بصدده.


كيف وصلنا لحالة التردي الفني والثقافي والإعلامي؟ ما الذي حل بالذوق العام حتى أصابه التدني؟ لماذا استبدلنا الأغاني ذات الكلمات الراقية التي تمس الوجدان بتلك التي تخاطب الغرائز؟ لماذا أصبح القبح والعشوائية عنوانا كبيرا في حياتنا؟ ماذا أصاب المجتمع المصري وأسباب التردي الفكري والثقافي والأخلاقي؟ فقد أصبحنا نفتقد الحد الأدنى من اللياقة والآداب العامة في التعاملات اليومية وأصبح التلوث السمعي والبصري والقيمي هو العنوان الأبرز في حياة المصريين إلا من رحم ربي والجميع أصبح يلمس هذه الحالة خاصة في الأجيال الجديدة.


الأسباب كثيرة منها الغزو الثقافي والتأثر بالثقافات التي لا تتماشى مع الهوية والأعراف السائدة في المجتمعات الشرقية بالإضافة إلى التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من العالم قرية صغيرة وأصبح الاختراق مباحا ودون سيطرة كل ذلك يأتي في ظل تراجع واضح لدور الأسرة في التربية وغرس القيم الأخلاقية وغياب دور المدرسة والجامعة في الارتقاء بالسلوك خاصة مع الأعداد الكبيرة التي تتزايد عاما بعد عاما وأصبح توفير مكان لتلقي التعليم يأتي على تربية الذوق العام في إطار حضور باهت و خفوت للدور التنويري للثقافة المصرية.


وفن يتعامل بمبدأ المكسب والخسارة في تشكيل الوعي بشقيه الغنائي والدرامي وبدلا من الارتقاء بالمواطن حيث وظيفته الإبداعية المنوط بها وتربية وتهذيب المشاعر أصبح يقدم صورة سلبية تؤصل لحالة التدني تحت شعار نقل الواقع في مجتمع نصفه من الشباب الذين يتأثرون بما يشاهدونه دون وجود القدوة والمثل الأعلى وأصبحت الصورة الذهنية عن المجتمع المصري هي البلطجة والعنف وشيئا فشيئا استسلمنا  لهذا الانطباع  وأتذكر جملة السيناريست العبقري محمود أبو زيد في فيلم الكيف عندما استنكر الراكب الأغنية الرديئة  التي كان يستمع إليها سائق التاكسي رد عليه «أنا أول ما سمعتها مدخلتش دماغى لكن لما ودنى خدت عليها عششت فى نافوخى وكيفتنى» وصار أبطال هذه النوعية من الأفلام أو المسلسلات أو الأغاني القدوة أمام أجيال ناشئة لا تستند على أرضية صلبة ثقافية وتربوية تحميها من الخلط بين الغث والثمين.


 ووصلنا إلى حالة قبح وكسر كل الحدود في الحواجز السلوكية وانفلات في الذوق العام ينسب فيه تراجع القيم للفن  الذي كان في يوم من الأيام يشكل قاعدة إبداعية قوية يجتمع عليها الوجدان العربي من المحيط للخليج مرسخا للقيم والجمال والانتماء مشكلا للوعي الجمعي ناشرا للعلم والمعرفة حارسا على الهوية المصرية حافظا للتراث كأحد الروافد التنويرية فكان امتدادا للبعد الثقافي والحضاري وركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي للدولة المصرية.. افتقادنا للتميز والرقي جعلنا أمام سؤال يطرح نفسه بقوة متى نرفع شعار عودة رسالة الإبداع ومتى نستعيد قوتنا الناعمة أحد الدعائم الهامة للتنمية والتقدم. نحن بحاجة لتقييم سلوكياتنا من جديد بحاجة لاستدعاء الذوق في كل تعاملاتنا ونبذ كل ما يقدم لنا تحت شعار الجمهور عايز كدا.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط