شافيز وعبد الناصر

«أنا لست شيوعياً، بل أنا ناصرى، أؤمن كما آمن عبدالناصر بأن لكل مجتمع اشتراكيته الخاصة به».. تلك كلمات الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو شافيز، الذى توفى قبل أن يكمل عامه الستين، وسط شكوك كثيرة تحوم حول مسؤولية أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن إصابته بالمرض الخبيث الذى أودى بحياته، فتاريخ تلك الأجهزة فى التخلص ممن يناصبون أمريكا العداء طويل ومعروف، بما فى ذلك محاولات اغتيال «عبدالناصر» نفسه.
على أن أهم ما يرد فى مقولة شافيز هو أنه أرجع لعبدالناصر الفضل فى ذلك الاتجاه الحديث المسمى «الطريق الثالث»، الذى يبحث عن تحقيق العدالة الاجتماعية عن غير طريق الاشتراكية الماركسية التى كانت هى الحل الجاهز أمام دول العالم الثالث حديثة الاستقلال فى حقبة الخمسينيات والستينيات، بعد أن عانت سنوات طويلة من الحكم الرأسمالى الأجنبى.
لقد كان «عبدالناصر» أكثر حكام مصر فى تاريخها الحديث حرصاً على العدالة الاجتماعية التى جاءت ثورة يناير 2011 لتعيدها إلى صدارة المشهد السياسى بعد أن غابت عنه، ابتداء من حكم السادات وبداية مما سمى «سياسة الانفتاح»، لكن «عبدالناصر» كان أيضاً من أكثر حكام مصر فى تاريخها الحديث حرصاً على الاستقلال الوطنى، وقد أدى هذا إلى تمثله الواعى لتاريخ هذا الشعب وفهمه العميق لطبيعته، وبدعامتى العدالة الاجتماعية من ناحية والاستقلال الوطنى من ناحية أخرى، اجتهد «عبدالناصر» فى محاولاته لتحقيق العدالة لشعبه، دون الخضوع لأى دولة أجنبية أو اتباع منهجها، فأصاب فى بعض الأحيان وأخطأ فى أحيان أخرى، لكنه فتح طريقاً جديداً ثالثاً ما بين الرأسمالية والاشتراكية.
إن هذا الطريق الثالث هو ما ذاع صيته فى أواخر القرن العشرين، وهو ما اقتربت منه الدول الرأسمالية نفسها، والتى صارت أكثر حرصاً على تحقيق العدالة الاجتماعية من الرأسمالية التقليدية، التى تكاد تكون قد اختفت من العالم لتفسح المجال أمام ما تسميه الدول الرأسمالية العتيدة مثل بريطانيا والولايات المتحدة «الطريق الثالث»، أو ما تبلور فى بعض الدول الغربية الأخرى فى شكل ما تطلق عليه ألمانيا Social Market Economy أو اقتصاد السوق الاجتماعية، الذى يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، فيسمح بتدخل أكبر للدولة، كما يسمح أيضاً بالدعم الذى يطالبنا الآن صندوق النقد الدولى بإلغائه.
ولكن أياً كانت المسميات، فقد كان «عبدالناصر» هو من فتح هذا الطريق، وهو ما أدركه «شافيز» مثل غيره من قادة العالم.
نقلاً عن المصرى اليوم