الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد اللطيف أبو رجيلة


ارتبط اسمه بالعصر الذهبى لأتوبيسات النقل العام بالقاهرة ، شارك فى توريد الأسلحة للجيش المصرى خلال الفترة من 1948 – 1956 ، أهدى الحكومة المصرية مصنعا للأسمنت لتخصيص إنتاجه بالكامل لإعادة تعمير مدينة بورسعيد بعد العدوان الثلاثى ، وتبرع بمبلغ كبير لبناء مقرا جديدا لنادى الزمالك بميت عقبة وتحمل بالكامل نفقات توصيل المياه لتلك المنطقة .



عبد اللطيف أبو رجيلة من أشهر رجال الاقتصاد والأعمال منذ الأربعينيات وحتى الستينيات
من القرن العشرين والملقب بـ"إمبراطور الأتوبيس" . 

استفاد من تجربة أستاذه طلعت باشا حرب الذى كان يؤمن بأن النجاح كهدف.. ينبغى أن يسبق جمع الثروة لدى أى رجل أعمال .. فالمال يجب أن يستخدم بإستمرار فى مشروعات ولا يكدس فى البنوك
لحظة واحدة !! ورأى أبو رجيلة ان الثروة لا بد وأن تلعب دورا إجتماعيا يتجاوز المصالح الشخصية.


وُلد أبورجيلة بأم درمان بالسودان، ولكنه من مدينة إسنا ، تلقى تعليمه بالقاهرة  فالتحق بمدرسة السعيدية، ثم مدرسة التجارة العليا، وبعد تخرجه التحق بالعمل فى بنك مصر واستفاد كثيرا من تجربة الاقتصادى الكبير طلعت حرب وكان مثله الأعلى، ثم سافر إلى لندن وروما، وزار العديد من الشركات والوكالات التجارية ، واستطاع خلال رحلته أن يعقد صفقة لتوريد المحاصيل الزراعية من مصر إلى إيطاليا ، وعقب عودته إلى مصر استقال من بنك مصر، ليشق طريقه فى مجال الأعمال.



بدأ أبورجيلة مشواره مع الإستيراد والتصدير بمبلغ 34 جنيها هى كل ما كان يملك، اشترى مكتبا وآلة كاتبة وطوابع بريد، واستعان بموظف صغير براتب شهرى خمس جنيهات ، وانطلق  إلى طريق الأعمال، كان هذا المبلغ بالنسبة له رأس مال عظيم لأنه أنبت أضعاف الأضعاف.



فى البداية عمل فى توريد الحاصلات الزراعية وتوسع  فى أعماله بإيطاليا محققا نجاحات رائعة ، ومكونا ثروة طائلة، ولكنها للأ سف ضاعت فى غارات الحرب العالمية الثانية، فكانت ثروته كميات كبيرة من البضائع بالموانئ الإيطالية .. لم ييأس ابو رجيلة وبدأ مرة اخرى من الصفر ، عاش فى إيطاليا عدة سنوات تزوج خلالها من سيدة إيطالية ولم ينجبا . خلال فترة تواجده فى إيطاليا اندلعت حرب 1948 فأسرع بالمساهمة  فى توريد الاسلحة للجيش المصرى  وحتى عام  1952.



 بعد غياب دام 13 سنة عاد أبو رجيلة إلى مصر عام 1949 وفى العام نفسه اشترى قطعة  أرض بمساحة  6000 متر وسط البلد تطل على شوارع سليمان باشا ومعروف وشامبليون وعبد الحميد سعيد، واشترى مزرعة مساحتها 400 فدان حدائق بعين شمس، وتوسعت تجارته فى الحاصلات الزراعية والخزف والصينى وتيل الفرامل وأسس شركة القاهرة للتأمين، ولكنه بعد عدة أشهر من ثورة يوليو 1952 عاد إلى إيطاليا.





فى عام  1954 استدعاه عبد اللطيف البغدادى وزير الشئون البلدية آنذاك، وطلب منه أن يتولى مسئولية أتوبيس القاهرة، لم يكن لأبو رجيلة أى شروط  لقبول هذا الطلب فعاد إلى مصر، وعلى الفور بدأ فى تنفيذ مهمته فقام بدفع  مرتبات العمال المتأخرة وقام باستيراد 400 سيارة أتوبيس  فاخرة تقدم خدمة راقية بمواعيد منضبطة ومنتظمة ، ومع التدريب للسائقين والكمسارية والرقابة الصارمة  على جميع العاملين ، استطاع ان يرفع مستوى المرفق ويقدم خدماتة المتميزة لنحو  13
مليون راكب شهريا ، كان الزمن الفاصل بين كل أتوبيس ثلاثة دقائق ، كما أدخل خدمة الراديو فى الأتوبيسات ، وارتفع عدد العاملين بالشركة الى أربعة الآف عامل ، استطاع أبو رجيلة منافسة الشركات المنافسة " مقار وسوارس " وفتح المجال لعمل المرأة بتعيين كمساريات من الفتيات يختارهن بدقة وعناية ، وكنوع من الدعاية وجذب المواطنين لأتوبيساتة ساهم فى إنتاج  فيلم " الكمساريات الفاتنات " سنة 1957 بطولة إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسى وأحمد رمزى ،  وضم لأسطوله أتوبيسات مرسيدس ، فكان الناس يتباهون بركوب أتوبيس أبو رجيلة ، وكان يقوم بنفسه بتفقد مستوى الخدمة ، فيركب الأتوبيس متخفيا كمواطن عادى لمراقبة مستوى الخدمة  ،
وقد تم  مجازاة سائق لم يلتزم بالتوقف فى إحدى المحطات ، لكل ذلك لقب " إمبراطور الأتوبيس " .



 بنى أبو رجيلة   ثلاث جراجات حديثة  للأتوبيسات عند مدخل القبة وعند نفق الجيزة وفى بولاق أبو العلا مزودة بورش الصيانة ومحطات التشحيم ،وأنشأ مصنع لتيل الفرامل واليايات . وكان قد أوصى سنة 1956 بضرورة تنفيذ مترو الانفاق  وكان  سيتكلف 6 ملايين جنية !!!  بالفعل كانت هذه الفترة هى العصر الذهبى للنقل العام بالقاهرة.



 
خلال تلك الفترة وفى عام  1956 تولى أبو رجيلة رئاسة نادى الزمالك ،وكان يرى أن الثروة لا بد وأن تلعب دورا اجتماعيا يتجاوز المصالح الشخصية ، فحصل النادى على بطولة الدورى لأول مرة منذ انشائة عام  1191 ، وارتفعت ميزانية النادى من  6 آلاف جنيه إلى 18 ألف جنيه، تبرع أبو رجيلة لبناء مقرا جديدا لنادى الزمالك  فى ميت عقبة 1959 ، بدلا من موقعة السيئ وكان مكونا من ثلاث حجرات و مدرج خشب مكان مسرح البالون الحالى ، ولكنه واجه مشكلة عجز فى الميزانية عند بناء الإستاد والذى يتطلب مبلغ 10 آلاف جنيه وبذكاء نادر نجح فى توفير المبلغ  وذلك بعد إجراء مفاوضات مع الشركتين المتنافستين لتوريد البنزين والسولار لأتوبيساته ، فاستطاع تخفيض  50 مليما  فى سعر الليتر ، فتم توفير أكثر من المبلغ المطلوب فقام ببناء مدرجات الدرجة الثالثة ، ومن أعماله التى تحسب إليه أنه عندما أدخل المياه الى نادى الزمالك ، قام بمدها إلى منطقة ميت عقبة بأكملها مجانا على نفقته الخاصة.   



 كانت لأبورجيلة مواقف وطنية مشرفة ، فبعد حرب فلسطين  1948 لم يتردد فى تقديم الدعم للجيش المصرى ، وعندما تعرضت مصرللعدوان الثلاثى بادر بوضع سيارات شركتة تحت تصرف الجيش مع تحملة تكلفة تموينها ودفع أجور سائقيها ، وعندما طلبت منه وزارة الحربية تمويل صفقات الأسلحة التى كان الحظر مفروضا عليها بعد حرب 1956 ، استجاب أبو رجيلة  للطلب ، وحينما رفضت الحكومة الإيطالية أن يسترد امواله ، تقدم  بطلبا  رسميا إلى السلطات المصرية بمساعدته فى استعادة أمواله من إيطاليا ، وذلك بأن يوكل لها إسترداد أموله  فى صورة بضائع يصدرها الى مصروكانت عبارة عن ماكينات لاعمال الطرق بمبلغ 35 ألف جنيه عام 1955 ، وفى 1957 عاود تقديم الطلب بحيث تكون قيمة التحويل مائة ألف جنية ، كما أعرب عن استعداده لتحويل جميع إيراداته إلى مصر ! إلا أن هذا التعاون لم يدم طويلا.



شعر أبو رجيلة بالتضييق على أعماله ولم تعد الأجواء مطمئنة ، وردا على اتهامات باطلة وجهت إليه، كتب مذكرة رفعها للوزيرين عبد اللطيف البغدادى وحسن إبراهيم  جاء فيها :" لا شك أنه يعز على أى مواطن صالح أن يجد نفسه موضع التشكيك والإتهام خصوصا إذا كان المواطن من رجال الأعمال الذين يعتمدون على الثقة  باسمهم " إلا أن كل هذه الأعمال لم تشفع له، وقد أطاحت به قرارات التأميم عام  1961 ، فترك مصر عائدا إلى إيطاليا. وأعاد أبو رجيلة  تجربته مع النقل والمرور ولكن فى الخرطوم بالسودان .



 



عاد أبو رجيلة نهائيا إلى مصر فى منتصف السبعينيات، وعاش بقية عمره حزينا على إهدار تجربة بلد بكامله فى مطلع الخمسينات كانت مؤشرا على نمو القطاع الخاص ولكن تم وأدها فى مهدها للعودة الى المربع الأول ، وكانت وصيته الأخيرة حين قال "لا نجاح لهيئة النقل إلا بمحاربة الرشوة والفساد والإهمال والتسيب " وظل يردد أن أزمة المواصلات فى القاهرة يمكن أن تحل قبل أن ينتهى من قهوته!!!. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط