الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطيب عرفة: الصبر على الأقدار المؤلمة من صفات أهل التقوى.. والشدائد مهما عظمت لا تدوم ورحمة الله أوسع وفرجه أقرب.. والإسلام حرم تأجيج الصراعات وتغذية الإرهاب وأمر بالعدل والصلح ودرء المفاسد

خطبة يوم عرفة
خطبة يوم عرفة

  • خطيب عرفة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع:
  • إقامة الحج بأعداد محدودة من مقاصد الشريعة لحفظ النفس البشرية
  • أعظم خصال التقوى توحيد الله وإفراده بالعبادة
  • الصبر على الأقدار المؤلمة من صفات أهل التقوى
  • تقوى القلوب تتمثل في الإقدام على الطاعات والإحجام عن المعاصي
  • المصائب تذكرنا بالنعم الكثيرة والخيرات الوفيرة التي وهبها الله للإنسان
  •  الشريعة حرمت الاعتداء على الآخرين ودعمت استقرار الأوطان
  • أيها الناس الحياة لا تسلم من المصائب ولذا أمركم الله بالصبر
  • الشدائد مهما عظمت لا تدوم ورحمة الله أوسع وفرجه أقرب
  • المصائب تذكرنا بالآخرة لنستعد للجنة التي لا مصائب فيها ولا أحزان
  • المصائب تفتح أبواب طاعة الله تعالى باحتساب الأجر في دفعها قبل وقوعها 
  • الشريعة رغّبت في نشر المحبة والوئام والتعاون بين الناس
  • الإسلام كفل حقوق الإنسان رجلًا وامرأة وطفلًا سليمًا أو معاقًا
  • من دعا لغيره بظهر الغيب وكل الله ملكًا يقول له آمين ولك بمثل
  • الشريعة منعت من تأجيج الصراعات وتغذية الإرهاب ونهت عن الإفساد في الأرض
  • الإسلام أمر بالعدل الصلح والإصلاح وتحقيق المصالح ودرء المفاسد


توافد حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر إلى مسجد نمرة في مشعر عرفات اليوم لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، اقتداءً بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة، وسط منظومة من الإجراءات الصحية والتدابير الوقائية والخدمات المتكاملة التي هيأتها حكومة خادم الحرمين الشريفين ليؤدي ضيوف الرحمن مناسكهم بسلام آمنين،وأخذ ضيوف الرحمن أماكنهم مع الالتزام بالتباعد المكاني في المسجد الذي تبلغ مساحته «110» آلاف متر مربع.


خطبة عرفة
وألقى عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، خطبة عرفة، استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما تفضل به على العباد من النعم الغزار، والخير المدرار، موصيًا بتقوى الله التي أوصى بها الأولين والآخرين، كما قال سبحانه «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا».


وأكد أنه بتقوى الله تنزل الخيرات، وتبتعد المصائب المكروهات قال تعالى «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا»، وتقوى الله تتمثل في الإقدام على الطاعات، والإحجام عن المعاصي والسيئات.


اقرأ أيضًا:


خصال التقوى
ونوه الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، بأن أعظم خصال التقوى توحيد الله وإفراده بالعبادة بحيث لا يصلى إلا لله، ولا يدعى إلا الله، ولا يعبد أحد سواه لا بذبح ولا نذر ولا بغيرها، مستشهدًا بقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» وقال تعالى «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»، وقال تعالى «ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ»، وقال تعالى: «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ».


وتابع: «هذا هو مقتضى شهادة التوحيد لا إله إلا الله، وقرينتها شهادة أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا»، بحيث يطاع أمره ويصدق خبره ولا يعبد الله إلا بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، فإن الله قد أكمل له الدين، فلا يحتاج إلى أن يزاد فيه بشيء من البدع وقد أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن في يوم عرفة «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا».


أركان الإسلام والإيمان
وأكمل: «وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الإسلام بني على خمس: «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وإيتاء الزكاة بإخراج جزء يسير من المال لمستحقيه، وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا»، مضيفا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  ذكر أركان الإيمان فقال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»، وقال تعالى: «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ».


الصبر على المصائب
وأشار «المنيع»، خلال خطبة يوم عرفة اليوم الخميس، إلى أنه بعد أن امتن تعالى ببعثة نبيه صلى الله عليه وسلم أوصى بالذكر والشكر والصبر، وإن من صفات أهل التقوى الصبر على الأقدار المؤلمة كما قال تعالى: «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ».


واستطرد: «إن الحياة الدنيا لا تسلم من المصائب ولذا أمركم الله بالصبر، كما قال تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»، وقال تعالى: «وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» وكيف لا يصبر العبد وهو مؤمن بالقضاء والقدر، مؤمن بأن ما أصابه لكم يكن ليخطئة وبأنه لو اجتمع من في الأرض فلن يستطيعوا أن يدفعوا عنه قدر الله كما قال سبحانه: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ».


وأوضح أن هذه المصائب تجعل العبد يتذكر النعم الكثيرة والخيرات الوفيرة التي وهبها الله للإنسان كما قال تعالى: «وإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ» وكما قال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً».


وواصل: «إن هذه المصائب تعرف العبد بقدرة ربه، ومن ثم يعود إلى الله متضرعًا طلبًا ورجاء، مستشهدًا بقوله تعالى «وبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»، وقوله تعالى «وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»، وقوله تعالى «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ»، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»، مشيرًا إلى أن المصائب تذكر الناس بالآخرة، وتجعلهم يستعدون للجنة التي لا مصائب فيها ولا أحزان، كما قال تعالى: «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، وكما قال تعالى «وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».


 فضل الصبر على المصائب
وأفاد بأنه بهذه المصائب يحصل اختبار العباد والتمييز بين أهل الصبر وأهل الجزع، قال تعالى «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»، منوهًا بأن الشدائد مهما عظمت فإنها لا تدوم ورحمة الله أوسع وفرجه أقرب وقد وعد الله بالفرج والتيسير، قال تعالى «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»، وقال تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا»، وقال تعالى: «يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر»، متابعًا: «هذه المصائب تفتح أبواب طاعة الله تعالى باحتساب الأجر في دفعها قبل وقوعها وفي فعل الأسباب المؤدية لرفعها بعد حصولها وقد جاءت الشريعة الإسلامية المباركة بعدد من الإجراءات المؤدية إلى ذلك.


التعامل مع المصائب
وأردف: "إن التوجيهات الإلهية جاءت للتعامل مع المصائب والمشكلات المالية والاقتصادية بما يحقق رغد العيش للخلق، فمن ذلك أن الشريعة الإسلامية رغّبت في الاكتساب والإنتاج، ومزاولة الأعمال وحثت على التجارة وجعلت الأصل في البيوع الحل والجوا، وحرمت الربا والغش والخداع في المعاملات، وأمرت باحترام الأموال العامة والخاصة، وأمرت بالوفاء بالعهود والالتزام بشروطها".


واستطرد: "إن الشريعة الإسلامية نظمت التعاون والتبادل التجاري، وأمرت بسداد الديون وتوثيق الحقوق، وحذرت من الإسراف وفرضت دفع الزكاة للفقراء والمساكين، ورغّبت في الصدقات لا سيما أيام الشدة والبلاء، قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، وقال تعالى «وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا»، وقال تعالى «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ»، وقال تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ»، «وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ»، وقال تعالى عن الجنة «أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ»".


الترابط والتآلف ونشر المحبة
وذكر أن لحماية المجتمع من المشاكل الاجتماعية والنفسية أمرت الشريعة ببر الوالدين وصلة الأرحام، وحسن تربية الأبناء، ورغّبت في الترابط والتآلف والتكافل الاجتماعي، منوهًا بأن الشريعة أعطت لكل واحد من الزوجين حقوقًا على الآخر، وكفلت حقوق الإنسان رجلًا وامرأة وطفلًا كبيرًا وصغيرًا، سليمًا ومعاقًا، بل جاءت بمراعاة نفسيات الآخرين والوقوف معهم في أيام محنتهم ومصائبهم، كما أمرت بحسن الخلق وطيب المنطق والترغيب في نشر المحبة والوئام والتعاون بين الناس.


واستدل بقول الله تعالى: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ووَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا»، وقال الله تعالى: «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وقال تعالى «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا»، وقال تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، وقال تعالى «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ»، وقال أسامة بن شريك: «شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع وهو يخطب يقول: أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك».


سلامة البلاد والعباد
وشدد الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، على أن الشريعة جاءت بإجراءات توصل إلى سلامة البلاد والعباد واستقرارهم وتمكنهم من أداء مهامهم وأعمالهم، كما جاءت بحفظ الحقوق وصيانة الدماء والأموال، وحرّمت الاعتداء والإيذاء للآخرين، كما منعت من تأجيج الصراعات، ومنعت تغذية الإرهاب، ونهت عن الإفساد في الأرض، وأمرت بالابتعاد عن مسببات الفتن.


وقال إن الشريعة أكدت عدم الاستجابة للأعداء المتربصين، وأمرت بالالتزام بالأنظمة وبطاعة ولاة الأمور في غير معصية، وأمرت بالعدل وتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وأمرت بالصلح والإصلاح، واستشهد بقوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا»، وقال تعالى «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون»، وقال تعالى «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلا الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلًا»، وقال تعالى «ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا»، وقال تعالى «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما».


كما استشهد بقوله تعالى «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «واعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ثم أمرهم بالسمع والطاعة وقال: «أيها الناس إن الله أدى إلى كل ذي حق حقه، وقال اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم، وأطيعوا إذا أمرتم تدخلوا جنة ربكم».


حفظ الصحة وسلامة الأبدان
ونبه على أن الشريعة جاءت بتوجيهات تؤدي إلى حفظ الصحة وسلامة الأبدان، فمن ذلك أن أمرت بالطهارة والنظافة، وأمرت بالمحافظة على البيئة نقية طاهرة، وأباحت طيب الطعام، ونهت عن المضر منه، وشرعت طرائق لحماية المجتمعات من انتشار الأمراض والأوبئة قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا».


واستدل بقوله تعالى «وثيابك فطهر»، وقال سبحانه «وإذا مرضت فهو يشفين»، وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : «ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عباد الله تداووا فإنه ما من داء إلا وله دواء» وقال صلى الله عليه وسلم: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»  وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يُورِدَنّ مُصِح على مُمرِضّ» وقال صلى الله عليه وسلم : «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها».


وأبان قائلًا: «انطلاقًا من هذا الحديث النبوي الكريم الذي يمنع من التنقل في أوقات الأوبئة والأمراض سريعة الانتقال شديدة العدوى، جاء القرار الحكيم من حكومة المملكة العربية السعودية بإقامة شعيرة حج هذا العام بأعداد محدودة، من الموجودين داخل المملكة من مختلف الجنسيات، حرصًا على إقامة الشعيرة بشكل صحي يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي لضمان سلامة الإنسان وحمايته من أسباب الجائحة وتحقيقًا لمقاصد الشريعة في حفظ النفس البشرية وشكر الدور الإيجابي للمسلمين كافة في التجاوب مع إجراءات الدولة لحمايتهم من تفشي هذا الوباء باتخاذ الإجراءات المؤدية إلى حماية مكة والمدينة، متابعًا: «فجزى الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان ورجال دولتهم خير الجزاء على ما يبذلونه في خدمة الحرمين الشريفين وحمايتهما والبذل لهما، سائلًا الله أن يبارك في جهودهم وأن يعظم ثوابهم وأن يكفيهم شر كل من أراد بهم سوءًا».


التقرب إلى الله بالدعاء
ونصح  خطيب عرفة، بأنه ينبغي على المؤمن أن يتقرب بالدعاء لله فى هذا اليوم العظيم، يدعو لنفسه ولقرابته ولبلده وللمسلمين عمومًا، فمن دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله له ملكًا يقول آمين ولك بمثل، وخصوصًا في هذه المواطن الشريفة وعلى صعيد عرفة في هذا الزمان الفاضل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداَ من النار من يوم عرفة ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة».


صيام يوم عرفة
وأفتى بأنه يستحب للحجاج عدم صوم يوم عرفة ليكثروا من الذكر والدعاء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد خطب في عرفة ثم أمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر مقصورة ركعتين، ثم أقام فصلى العصر مقصورة ركعتين، ثم وقف بعرفة يذكر الله ويدعوه إلى أن غرب قرص الشمس، ثم ذهب إلى مزدلفة فصلى المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين جمعًا وقصرًا.


وأردف: «وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم بمزدلفة وصلى الفجر بها، ثم دعا الله إلى أن أسفرت ثم ذهب إلى منى فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات وذبح هديه وحلق، ثم طاف بالكعبة طواف الإفاضة، وبقي في منى أيام التشريق يذكر الله ويرمي الجمرات الثلاث يوميًا فلما فرغ من حجه وأراد السفر طاف بالبيت».


وألمح إلى أن من أعظم ما تستجلب به الخيرات والنعم وتُدرأ به المصائب دعاء الله تعالى، فقد وعد الداعين بإجابة دعواتهم، كما قال تعالى «وقال ربكم ادعوني استجب لكم» وقال تعالى «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان»، حث المسلمين على دعاء الله بتضرع وإخلاص وأن يكونوا موقنين بالإجابة وأن يؤمنوا على دعاء غيرهم.


واختتم الخطبة دعا الله تعالى أن يرفع الوباء ويشفي المرضى ويمكن الباحثين والعاملين بمجال الأمراض والطب من اكتشاف أدوية الأمراض وعلاجات ولقاحات الأوبئة، كما سأل الله أن يسبغ على العباد نعمه وأن يغنيهم بفضله، وأن يزرع المحبة والألفة بينهم ويجعلهم يتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، وأن ينشر الأمن والاستقرار بفضله وإحسانه.