كثيراً ما يقف المرء لينظر خلفه إلى ما فات كي يحكم على ما قد أدركه من نجاح أو فشل، كما أنه يتمعّن في مَن يحيطون به في وقته الراهن حيث وصل به قطار الحياة، وهل هم نفس الأشخاص الذين كانوا معه في ما مضى من محطات العمر أم أن قانون الانتخاب الطبيعي قد فعل فعلته مع هؤلاء المحيطين...
لا شك في أن الحكم على الأشياء، ربما يتغير بتغير الظروف والملابسات والتوقيت، لكن تظل النتائج هي التي يمكن من خلالها معرفة ما إن كان ما اتخذه الإنسان من قرارات أو قام به من أفعال صحيح أم جانبه الصواب، لكن استرجاع الأحداث وتحليلها بهدوء بعد زوال حمى الحدث في آنها، سيكون له طعم مختلف، وربما يثير بعض الشجون في النفس إذا ما كانت هناك إخفاقات لدى الإنسان في تناول أي من القضايا ذات البعد الإنساني أو الاجتماعي، فقد يكون الإصرار على بعض المواقف المتشددة تجاه المقربين والأحبة في بعض لحظات الغضب نوعًا من العَمى المؤقت الذي لا يجب أن يطول، والذي إن طال، فقد تكون تكلفة رأب صدعه باهظة، بل ربما لن تعود الأمور إلى سابق عهدها أبداً، وهنا يدرك المرء أن انتصاره في بعض المواقف مع هؤلاء المقربين والأحبة، ما كان إلا هزيمةً كبرى وانكساراً يصعب، أو يستحيل إصلاحه وأن التصرف الحكيم الذي كان يجب الانحياز إليه هو الركون للقاعدة التي تقول إن التنازل والانهزام للأحبة، لهو النصر المُبين في تلك العلاقات.
يجدر بنا أيضاً أن نطبق نفس النظرة التحليلية لواقع العمل من وقت إلى آخر ونعيد النظر فيما اتخذناه من قرارات مصيرية لا سيما إن كان لدينا مناصب قيادية على أي مستوى حتى يمكن الحكم على ما وصلنا إليه من نتائج والاستفادة مما وقعنا فيه من أخطاء أثناء ممارسة دورنا في العمل، كي نتجنبها فيما هو آت، وهناك العديد من الكتب والدراسات المهتمة بهذا الشأن والتي يعود إليها أصحاب تلك المناصب القيادية في مختلف مؤسسات العمل، بل إنه يجب تدريب الجميع في مختلف الدرجات الوظيفية على التعاطي بنفس الطريقة من وقت إلى آخر وكتابة ما تم القيام به من أشياء إيجابية وما تم اقترافه من أخطاء في جداول ينظر فيها الشخص بنفسه ويحتفظ بها، كي يستفيد من خبراته الشخصية فيما هو قادم...
أما عن أولئك المحيطين بنا الذين اكتسبناهم في محطات حياتنا، والذين بقوا معنا منذ البداية، فهم الكنز الحقيقي الذي يجب الحفاظ عليه، فمع كثرة الأحداث واختلاف الظروف يسقط الكثيرون الذين كانوا يوماً في دائرة المقربين، لكن دوافعهم لهذا القرب لا بد أنها تتغير بتغير الأحوال، وقد يبدو هذا طبيعياً في بعض علاقات العمل، لكن هناك صنف من البشر يكتنز بداخلة قدراً كبيراً من المودة والحب تجاه الآخرين لا تغيره الظروف أو تبدله الأماكن وكثير منا ربما صادف هؤلاء...
من هنا وبعد تلك الوقفة التأملية، وعندما يصل الإنسان إلى السلام الداخلي، لا بد أن تحدثه نفسه المثقلة بتلك الشجون قائلة:
هأنذا أنظر بتؤدة إلى ما قد مضى وأقول لمن لم يستطيعوا أن يحبونني: عذراً، إن كانت مودتنا عصيّة، فقد أدركنا أن العيب فينا، سامحونا إن أردتم...
كما أقول لمن أحبونا وخذلناهم يوماً: إننا نادمون على هذا الخذلان الذي لا مبرر له في ظل حبكم...
أما من أحبونا وعايشوا معنا مجريات الحياة، بحلوها ومُرّها، فأقول لهم: ليتنا كنا عند حسن ظنكم بنا.