"دير شبيجل": الخلاف حول التقشف يدفع العلاقات بين ألمانيا وفرنسا لمرحلة الجمود

ذكرت مجلة "دير شبيجل" الألمانية أن الخلاف بين ألمانيا وفرنسا حول سياسة التقشف لم تؤد إلى تعطل ما يمكن تحقيقه من تقدم اقتصادي على مستوى الإتحاد الأوروبي فحسب، بل زادت من التوتر في العلاقات بين البلدين إلى أن بلغت مرحلة الجمود.
وقالت المجلة -في تقرير نشرته اليوم /الخميس/ على موقعها على شبكة الإنترنت- إن الخلافات بين البلدين جعلت باريس تأمل في أن تتغير الحكومة الألمانية في الإنتخابات المقرر إجراؤها الخريف المقبل، غير أن هذا التغيير، إن تم، فلن يؤدي إلا إلى تجاوز القليل من الخلافات المتزايدة بين البلدين.
وأضافت أن السفراء والدبلوماسيين الألمان الذي اجتمعوا بمكتبة وزارة الخارجية الألمانية قبل أسبوعين أقروا بأن الوضع أصبح خطيرا على غير ما اعتادت عليه برلين، حيث أكد الدبلوماسيون اعتيادهم على مشاهدة المواطنين في أوروبا وهم يرفعون اللافتات التي تحمل صور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقد أضيف لوجهها الشارب الشهير لأدولف هتلر، كما اعتادوا على سماع كلمات الاستهجان اللاذعة لإصرار ألمانيا على فرض حالة التقشف في أوروبا، فضلا عن مواجهتهم لمحادثات دبلوماسية محاطة بقدر كبير من التوتر مع دبلوماسيي مختلف الدول الأوروبية.
وأوضحت المجلة أن الأمر بالتالي لم يعد قاصرا على فرنسا، بعد أن أكد الدبلوماسيون الألمان أنهم يراقبون بأعينهم تزايد مشاعر العداء إزاء ألمانيا في العديد من دول الإتحاد الأوروبي، وحتى مستشار ميركل للشئون السياسية والأوروبية نيكولاوس ماير لاندروت لم يعمل على طمأنة مجموعة الدبلوماسيين، بل نقل إليهم علنا مخاوف المستشارة الألمانية بأن هذا الملف لن يشهد تحسنا في وقت قريب، كما ترك مستشار ميركل انطباعا لدى الدبلوماسيين بأن برلين فقدت الأمل في إحراز أي تقدم ملموس في سياسات الإتحاد الأوروبي قبل إجراء الإنتخابات الفدرالية في سبتمبر المقبل.
ولفتت المجلة إلى إشارة المسئولين الألمان لفرنسا بأصابع الإتهام فيما يتعلق بالرفض الأوروبي لسياسات التقشف، على الرغم من افتراضهم أن باريس، إلى جانب برلين، تمثلان العنصر المحرك للاتحاد الأوروبي ككل، الأمر الذي أكده مستشار ميركل للدبلوماسيين الألمان بالقول بأن فرنسا لا ترغب في التوصل لاتفاق مع ألمانيا حول قضايا رئيسية قبل سبتمبر المقبل.
وأشارت إلى أن المعنى الواضح لهذه الكلمات هو أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند لم يعد يتوقع أي جديد من الحكومة الألمانية الحالية، وأنه بدأ العد التنازلي للانتخابات الألمانية، متمنيا أن تسفر عن حكومة جديدة يكون لديها استعداد أكبر لتقديم التنازلات
وقبول الحلول الوسط.
وأكدت المجلة أن العلاقات الفرنسية - الألمانية أصبحت، بعد عام من تولي أولاند مقاليد الحكم في باريس، أسوأ مما توقعه المتشائمون في كلا البلدين، حيث أصبح الخلاف واضحا بينهما في كل الأمور تقريبا، خاصة عندما يتعلق الأمر بمحاولات كبح جماح الأزمة الإقتصادية الحالية، بدء من الإتحاد المصرفي مرورا بخطة الإنقاذ الإقتصادي لقبرص، ووصولا إلى سندات اليورو.
ونوهت "دير شبيجل" إلى أنه وفي الوقت الذي ترى فيه المستشارة الألمانية أن حل الأزمة الإقتصادية لا يمكن أن يتحقق دون تطبيق بعض الإصلاحات، مثل فرض التقشف وتحرير سوق العمالة، وإعادة هيكلة نظم الرعاية الإجتماعية، يرفض الرئيس الفرنسي السماح لبرلين بفرض نموذجها الإصلاحي على بلاده، كما يعتقد أن نجاح ألمانيا في تنفيذ خطط التقشف لن يؤدي إلا إلى زيادة الركود الإقتصادي الأوروبي.. لافتة إلى أنه ومنذ أن أعلن أولاند في مارس الماضي عن حاجة بلاده لخفض الإنفاق الحكومي، اكتسب الفصيل الداعي لمجابهة ألمانيا داخل حزبه السياسي زخما واسعا.
ووفقا للتقرير، فإن أولاند يعتقد أن موقفه من الأزمة الإقتصادية يكتسب تأييدا أوروبيا أكبر مما تكتسبه ألمانيا، وهو الأمر الذي قد يؤدي لمواجهة الأخيرة الكثير من الضغوط، ومن ثم تكون مجبرة على تقديم التنازلات، وقد برهنت التصريحات الأخيرة لرئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو لأولاند عن صحة اعتقاده، فقد أوضح باروسو الأسبوع الماضي أنه على الرغم من ثقته بأن سياسات التقشف صحيحة في جوهرها لعلاج الأزمة الأوروبية، إلا أنه يعتقد أن تطبيق هذه السياسات قد وصل لأقصى حدوده.
واختتمت المجلة تقريرها بأنه بناء على ما سبق فإن القضايا الخلافية بين ألمانيا وفرنسا ليست بالهينة، بل إن الخلاف بينهما في حد ذاته لا يقل أهمية عن أزمة منطقة اليورو وتحريك المياة الراكدة بتلك الأزمة، وإذا كان من المعروف أنه لا شئ يمكن حدوثه في الإتحاد الأوروبي دون الموافقة المشتركة لبرلين وباريس، فإن ما تقوم به كل منهما حاليا من عرقلة مساعي الأخرى سيحول دون حدوث أي تطور فيما يتعلق بالأزمة الأوروبية.