قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

محمد مندور يكتب: محمية "الفاية" وخريطة التراث الإنساني

محمد مندور
محمد مندور

في هذا الزمن الذي نلهث فيه وراء كل ما هو جديد، يصبح لزامًا علينا أن نلتفت إلى الكنوز القديمة، وندعو العالم بأسره لتقديرها. أتحدث هنا عن المحميات الطبيعية ومواقع التراث الطبيعي والإنساني الذي تزخر به منطقتنا العربية. لا سيما أن هناك كنوزاً ثمينة من آثار في مدننا بل تراث طبيعي من إبداع الخالق في صحراواتنا أيضاً. 

زاد على قائمة التراث العالمي خلال الأيام الماضية تسجيل موقع جديد وفريد من نوعه، وهو موقع الفاية في صحراء دولة الإمارات العربية، ليصبح عدد المواقع على قائمة التراث العالمي حاليًا 1226 موقعًا ذا قيمة عالمية استثنائية، منها 955 موقعًا ثقافيًا، و231 موقعًا طبيعيًا، و40 موقعًا مختلطًا، موزعة على 168 دولة، فيما يبلغ عدد مواقع التراث العالمي في الدول العربية حتى اليوم 96 موقعًا في 18 دولة.

لكن ما يلفت الأنظار في موقع "الفاية" أن له أهميته استثنائية تختلف عن غيره من مواقع التراث الطبيعي والإنساني العالمي. ففيه نماذج تكشف عن تاريخ الوجود البشري المبكر في البيئات الصحراوية، حيث يوثق الموقع دلائل على نشاط بشري يعود إلى أكثر من 210 آلاف عام، مما يجعله من أقدم الشواهد على التكيف البشري مع البيئات القاسية مناخيا. كما يكشف الدور الجوهري الذي أدّته شبه الجزيرة العربية في مسارات هجرة الإنسان واستقراره، فهو يمثل محطة علمية محورية في دراسة تطور هجرة واستقرار الإنسان عبر العصور.

لا يمكن التعامل مع موقع الفاية ككومة صامتة من الرمال فحسب، بل ككتاب مفتوح يحكي فصولًا من تاريخ الأرض والإنسان. هي ليست مجرد محمية طبيعية، لكنها متحف جيولوجي وأثري يكشف قصص أولئك الذين وطأت أقدامهم هذه الأرض قبل آلاف السنين.

في ثنايا صخور موقع الفاية، اكتشف العلماء أدوات حجرية بدائية، تعد شواهد على حياة بشرية سبقت الحضارات المعروفة. هذه الأدوات ليست مجرد أحجار مصقولة استخدمها الإنسان الأول؛ لكنها بصمات لأولئك الذين عاشوا، وصادوا، وابتكروا، وتكيفوا مع قسوة الصحراء، تاركين لنا إرثًا لا يقدر بثمن في فهم رحلة البشرية على هذا الكوكب.

لكن الأهمية الجيولوجية والأثرية للفاية لا تقف عند هذا الحد. إنها واحة حيوية، تضم نظامًا بيئيًا صحراويًا فريدًا يحتضن أنواعًا نباتية وحيوانية تكيفت ببراعة مع بيئتها القاسية. من الزواحف إلى الطيور المهاجرة التي تتخذ منها محطة للراحة، وحتى بعض الثدييات الصحراوية النادرة، تعد الفاية موقعا طبيعيًا حيًا لدراسة التكيف البيولوجي. وربما هي تذكير بأن الحياة تزهر حتى في أقسى الظروف، وبأن التنوع البيولوجي قيمة لا يمكن الاستغناء عنها.

موقع الفاية بوصفة تراثا طبيعيا وحضاريا وإنسانيا في حد ذاته دعوة للتأمل في خلق الله الإنسان وقدرته على البقاء والازدهار رغم قساوة الصحراء.