الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ

في القرآن الكريم تسمى الذنوب الكبيرة بالكبائر: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) الشورى 37، ومن يجتنب الكبائر فإن الله يغفر له الصغائر من السيئات فيدخل الجنة: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) النساء 31، والإثم يعني الذنب والسيئة.
ومن مشتقات كلمة إثم، كلمة أثاما: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) الفرقان 68، فالإثم في الدنيا يصبح  في الآخرة عذاباً في النار لمن يموت بلا توبة. 
وكلمة تأثيم، تعني الوقوع في الذنب باللغو في القول، والجنة لن يكون فيها لغو: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) الواقعة 25.
ويأتي الإثم بمعنى المحاسبة على مخالفة لأمر الله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة 173، بمعنى يوجد ذنب ومحاسبة على من يأكل المحرمات من الأطعمة وهو يعلم بتحريمها، معتدياً على أمر الله وشرعه، ويستثنى من ذلك الإنسان المضطر والجاهل.
ومن أنواع الإثم، الظن السيء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات 12، وتزيد الذنوب عندما ينخدع الكافر ويشعر بالأمان بسبب عدم عقابه: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) آل عمران 178.
والشرك من أكبر الآثام، ومن يموت مشركاً فلا مغفرة له: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء 48. 
ومن سمات الشرك أن يصف الإنسان نفسه بالصلاح والتقوى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) النساء 49-50.
أما عن قوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) النجم 32، والزنا من أكبر الفواحش وهو محرم، ومقدماته أيضاً محرمة، لأن الله حرم الزنا وكل ما يقرب إليه: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء 32،
لقد حرم تعالى الاقتراب من الفواحش ما خفى منها وما ظهر: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) الأنعام 151،  وتختلف درجة التحريم، فالزنا من كبائر الفواحش، ومقدماته من التفكير والنظر واللمس كلها ذنوب ولكنها ليست من الكبائر، ويأتى التعبير عنها بـ (اللَّمَمَ)، لأنه لا يوجد إنسان لم يُلم بأمر منها بسبب الغريزة. 
أما إثم القلب فلا يعلمه إلا الله: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة 283. وعن  مسئولية الفرد عن ذنوبه القلبية: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) الاسراء 36، وعن حساب الفرد عن ذنوبه القلبية: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة 284، والذي يحاسبنا هو الله عالم الغيب والشهادة: (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) الاحزاب 54، وهو الذي يعلم استراق النظر وما تضمره القلوب: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر 19.
وصاحب الذنب يسمى آثم، ومع كثرة ذنوبه يصبح آثماً: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) الانسان 24، أما الأثيم فهو صيغة مبالغة لوصف الذى يرتكب كبائر الإثم باستمرار وتتنوع ذنوبه: (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) القلم 12.
ويأتي وصف الأثيم مرتبطاً بوصف الخيانة، وقد وصف تعالى بعض الناس بهذا الوصف عندما لفقوا تهمة جريمة ارتكبها مجرم قريب منهم واتهموا بها بريء ليس منهم، وحقق النبي عليه الصلاة والسلام مع البريء: (وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً. يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء 107-108، وكل من يلفق تهمة لبريء فهو (خوّان أثيم).
ومن صفات المؤمن أنه يجتنب الذنب، بمعنى أنه يترك بينه وبين الذنب مسافة أمان، فالمؤمن يبتعد ليس عن الذنب فقط  بل عن أسبابه، فالإنسان ليس مخلوقاً كالحيوانات ينساق وراء شهواته، والإنسان المؤمن يملك نفسه ولا تملكه، والإيمان يمنع المؤمن عن الكثير من هوى النفس، ولذلك فالإنسان هو الذي يتميز بالعقل وبالسيطرة على نفسه وسرعة التوبة من الذنب، والحرص على عدم ارتكاب الذنب مرة أخرى.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط