عيدنا الآن في مصرنا الطيبة لم يعد كما كان فرحته الأولى في تناول اللحوم والفاكهة والحلوة, ولم يعد لذلك فائدة إذا لم نكن قد أدركنا أولاً واجباتنا تجاه أهالينا الطيبين في كل مكان, أتصغ لي يا صديقي! كم من محتاج حولك؟ وكيف تبدو حاجته؟ وبأي جزء قد ساهمت في تحمل فاتورة الإصلاح السياسي التي ندفعها إلى اليوم؟ أتنتظر التقدم أينما يوجد؟ أم تنتظر أن يصل إليك الفقر والجهل والمرض لتحس بما حسوا؟ أليس هؤلاء من ذوات الحقوق علينا بالنسبة لكوننا نتشارك وطن واحد وإنسانية واحدة؟ أم نتركهم مع دعواتهم وشكواهم ضدنا عند رب العالمين جل جلاله؟! الحاجة إلى التعلم تمثل فقر, الحاجة إلى الصحة تمثل فقر, الحاجة إلى الستر بأنواعه تمثل فقر؛ الحاجة إلى بني آدمين تمثل مهمة قومية اليوم, أنصت إليك فسمعت تقول عني من هذا التعيس الذي لا يريد أن يعيش فرحة العيد! ومن قال إنه عيد للفرحة وحسب؟! بل للفرحة وسداد جزء من واجبتنا الإنسانية تجاه أبناء جلدتنا, ولست ممن يعتقدون المساهمة في سد الحاجة تتطلب أموالاً أو أشياء تشترى؛ فهذا هو أضعف المساهمات بالنسبة لي على الأقل. وإنما أدركت جيداً أعظم مساهمة في تاريخ الإنسانية قد يساهم بها المرء, ألا وهي "العلم" في ظل حالة نسبة الإفتقار المعرفي الشديدة التي نعيشها في هذا العصر, كم هائل من التخلف نعيشه أما بالأمية الكاملة وأما بالأمية المعرفية؛ وكليهما فقر محض شديد الأثر السئ, ولم نتجاوزه إلا بزيادة التوعية في التصدي لهذا المرض المسرطن عبر جيلنا الحالي, جيل لم يصبح له قدوة تتبع, جيل لم يذكر إنه تعرف على نخبة مجتمعية كمرجع له لما يدور حوله وفكره بالمفهوم التقليدي للكلمة والمعنى, وكيف يحدث ذلك لشاب لم يتذوق فناً حقيقياً أو ينجو بعلم نافع يحدد له حدود وأركان حياته المعيشية المختلفة في العلم والعمل والتواصل. العلم صدقة جارية لمن يتهموننا بالبؤساء, والفلسفة لم تكن يوماً تدعي الإلوهية, ولم يكن في مقدور أمة النهوض والتقدم إلا عن طريق الإصلاح العلمي والثقافي والفني أولاً؛ وهذا ماتدعو له الفلسفة عبر تاريخها وأمتدادها, وهذا ما يتم تجاهله بالكلية المحضة عند أصحاب العقول القاصرة على الفهم, وكيف يقرون هذه الحقيقة الواضحة بذاتها وهم من يبيعون الوعي الزائف بالمجان؟! تصدقوا ولو بتعليم أ’مي حرفاً أبجدياً, ولو بورقة يكتب عليها تلميذ أ ب , ولو بدرس ينجو به طالب علم ليفهم, ولو بكتاب واحد لمثقف يريد العثور على كنز من كنوز المعرفة, تبرعوا للعلم بنشره وتعليمه وأتخاذه مساراً جديداً في نواحي الحياة, دعوا كل الفساد وشأنه ودعوا العلم والمعرفة كفيلتين به في القضاء عليه, تبنوا الصغار علمياً وكونوا لهم قدوة, وخرجوا جيلاً بعدنا يستطيع ببساطة أن يميز بين الحقيقة والباطل, بين الفن الناضج والفن الهابط, بين الواجبات والحقوق, فنحن جيل قد أتهم بالثورية والبطالة والجهل. عيدوا أنتم فنحن لسنا معكم ولم نكن معكم يوماً, نظفوا ملابسكم ومنازلكم وأتركوا لنا قذارة التاريخ لنحكوها لأبنائنا الصغار إذا ما كبروا مثلنا, ثم عيدوا باللحوم والتسالي والخمور المنشطة لهرمون السعادة الزائفة, وأتركوا للجهل مكاناً فسيحاً في ضمائركم التي دعت مادية العصر تنحوها وتموت, تزوجوا بالعادة وأنجبوا بلا مسؤلية, وعيشوا بلا ملكة العقل وكونوا كاللآلات المبرجمة المستقبلة وحسب للأوامر بأنواعها. في الحقيقة سأعيد مثلكم, ولما لا؟ ولكن سيظهر في أبتسامتي بعض تجاعيد الهم, بعض من واجباتي تجاه شركاء جيلي ستظهر أمامي في كل لحظة أستشعر فيها بأنني مقصر,كأنسان وكمواطن, تقصيراً في محو الأمية, تقصيراً في تعلم من هم في حاجة إلى معرفة ماعرفته من أساتذة أكن لهم كامل الأحترام والعرفان بالجميل, تقصيراً في عدم التصدي لأوهام وسائل التواصل الأجتماعي- التباعد الأجتماعي, والإعلام, بالقدر الذي أستطيع به التصدي, ومن ثم ستظهر بوادر العيد الحقيقية التي أنتظرها منذ أن وعيت بكمية الخرافات المحيطة بي المقصودة مره والغير مقصودة مره أخرى. ربما بعدما نساهم بالجدية في إنقاذ مجتمعنا من أوهام عدة, ونقضي على الأمية المنتشرة كأنتشار وباء العصر, وزيادة العمر المعرفي بالنسبة للجميع صغاراً وكباراً؛ تظهر ثقافة جديدة قوية تواجه الفقر في الستر بأنواعه بنوع من العلاج لا التبرع, بنوع من الأنصاف لا العدل الأعمى, ومازلت مقتنعاً تماماً بأن العلم والفلسفة كلتاهما بمقدورهما إحداث قطيعة تاريخية بين مصر التي ننتقدها اليوم ومصر التي نتمناها غداً؛ إلى أن نفرح فرحة عارمة تسونامية مبهجة مليئة باللحوم والتسالي والترفيهات, بل والسعادة, لأن ذلك من طقوس العيد الأكبر الذي طالما أنتظرناه لا العيد الكبير الذي مازلنا نخدع فيه من بعض مظاهره المبتدعة.
أحمد عمر يكتب: العيد الأكبر
