الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم قول «ربنا افتكره» عمن توفاه الله

صدى البلد

حكم مقولة «هو مات وربنا افتكره»أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن قول المصريين جملة «ربنا افتكره» لمن مات ليس معناه أنهم يقصدون أن الله تعالى كان ينسى ثم بعد ذلك تذكره، مشيرًا إلى أن المصريين دائمًا يقولون: «افتكار ربنا رحمة» أى من مات فإن الله قد رحمه أو أنه تغمده رحمة ربه.

 

وأوضح «الوردانى»، أن كثيرًا من المتشددين أرادوا أن ينشروا فى مجتمعنا المصرى أن جميع أقوال المصريين تشتمل على أقوال فيها شرك بالله وهذا كلام غير صحيح على الإطلاق، مؤكدًا أن المصريين فهموا قول الله تعالى: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» فهم يريدون أن الله عندما يتذكر أحد فهو ينظر إليه نظرة رحمة ولم يقصدون أنه تعالى ينسى.

حكم مقولة هو مات وربنا افتكره

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: انتشر في الآونة الأخيرة قول المصريين: "ربنا افتكره" كنايةً عمن توفاه الله، والله تعالى يقول: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾، ويقول: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).. فما حكم الشرع في قول ذلك؟


وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أنه قد انتشر على ألسنة المصريين من قولهم: "ربنا افتكره"؛ كنايةً عمن توفاه الله وانتقل إلى رحمته تعالى لا حرج فيه شرعًا؛ لأنه صارَ لا يتبادر إلى الذهن عند سماعها إلا ذلك المعنى دون حاجةٍ إلى توضيحٍ أن المسئول عنه قد توفي وانتقل إلى رحمة الله تعالى، ولا يجوز إساءة الظن بحمل معناه على ما يدل عليه ظاهرُهُ اللغوي مِن نِسبة سَبْقِ النسيان إلى الله تعالى -حاشاه سبحانه وتقدَّس شانُهُ-، بل الواجب حملُهُ على المعنى العُرفي الحسن وهو انتقال مَن توفّاه الله تعالى إلى رحمته.


وأوضح علام، أنه من شمولية الشريعة الإسلامية وسَعَتِها مراعاتُها أحوال الناس وأعرافهم؛ فكما جاءت بأحكام ثابتة دائمة لا تتغير، جاءت بأحكام قابلة للتغير والتبدُّل حسب أعراف الناس وعاداتهم، وجعلت العرف مما يُرْجَعُ إليه عند بيان أحكام المكلفين؛ فقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [199: الأعراف]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، والطبراني في "المعجم الأوسط" وصححه الحاكم في "المستدرك".

 

وأشار المفتي، إلى انه ومن أعراف الناس بعضُ عباراتهم التي لا يقصدون بها حقيقتها اللفظية، إنما يقصدون بها ما تعارفوا عليه فيما بينهم من معنًى دون حاجة إلى قرينة تدل عليه؛ فيُعتبَر في ذلك بأعرافهم لا بالأصل اللغوي لأقوالهم.

وقد تعارف الناس في مصر على استخدام ألفاظٍ قد يُغَايِرُ مدلولُها العرفيُّ حقيقتَها اللغوية، حتى صارَ لا يتبادر إلى الذهن عند سماعها إلا ذلك المدلول العرفي، ومن ذلك استخدامهم لفظ "ربنا افتكره" للتعبير عن موت إنسان.

 

لافتاً الي أن بيان الحكم الشرعي في التلفظ بهذه الجملة للتعبير عن وفاة إنسانٍ يأتي في النقاط التالية:

 

أولًا: أن العرف القوليّ مُعْتَبرٌ في الشريعة وأحكامها، حتى اتفق الفقهاء على أن أعراف الناس في أقوالهم هي مما يُخَصَّص به عمومياتُ النصّ، وأنها تُقَدَّم على الحقائق اللفظية عند التعارض بينها؛ قال الإمام القرافي في "الفروق" (1/ 171-172): [الفرق.. بين قاعدة "العرف القولي يُقْضَى به على الألفاظ ويخصِّصُها"، وبين قاعدة "العرف الفعلي لا يقضى به على الألفاظ ولا يخصِّصُها": وذلك أن العرف القولي: أن تكون عادة أهل العرف يستعملون اللفظ في معنًى معينٍ ولم يَكُن ذلك لُغَةً.. ومن هذا الباب: قتل زيدٌ عمرًا؛ هو في اللغة موضوعٌ لإذهاب الحياة، ثم هو اليوم في إقليم مصر موضوعٌ للضرب خاصةً؛ فيقولون: قتله الأمير بالمقارع قتلًا جيدًا، ولا يريدون إلا ضَرْبَهُ، فهو من باب المنقولات العرفية، والأوضاعُ العرفية هي الطارئة على اللغة] اهـ.

 

ثانيًا: أنّ الشرع الشريف كما أقرّ الناس على ما تعارفوا عليه من أقوال، رفع عنهم المؤاخذة في كل ما لم تتعمده قلوبهم مِن ألفاظ أو أفعال يَحتَمِلُ ظاهرُها غيرَ ما قَصَدُوا؛ فقال تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: 225].

 

ثالثًا: تقرَّر في قواعد الشرع أنه "لا عبرة بالظنِّ البَيِّنِ خَطَؤُهُ"؛ قال العلامة الزركشي في "المنثور في القواعد الفقهية" (2/ 353، ط. وزارة الأوقاف الكويتية): [الظنُّ إذا كان كاذبًا فلا أثر له، ولا عبرة بالظن البَيِّنِ خَطَؤُهُ] اهـ.

 

والظن في هذا الادعاء -من نسبة النسيان إلى الله تعالى قصدًا من قائل عبارة "ربنا افتكره"- بَيِّنٌ خطؤُهُ بظاهر النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية:- فأما القرآن الكريم: فقد كثرت الآيات التي إن حُمِلَت على حقيقتها اللغوية، فُهِمَ منها نسبة النقص إلى الله تعالى، حيث جاء لفظ النسيان في كثير من الآيات مضافًا إلى الذات الإلهية، ومع حفظ المسلمين للقرآن الكريم جيلًا عن جيل، لم يتبادر إلى ذهن أيٍّ منهم أن المقصود منه حقيقةُ النسيان في اللغة والتي هي ضعفٌ في الْـمَلَكَةِ العقلية عند استحضار المعاني والأشياء بعد حفظها، بل المتبادر إلى الذهن فورًا هو تَرْكُ الله تعالى بإرادته رحمةَ العاصينَ بسبب سَبْقِ نسيانهم ما أمرهم به سبحانه من قبل؛ وذلك في مثل قول الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 51]، وقوله سبحانه: ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: 126]، وقوله عزَّ وجَلَّ: ﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67].


-