هل الحرائق المتكررة جزء من الإرهاب البيئي؟..
سؤال صاحب كثير من تعليقات رواد شبكات التواصل الاجتماعي خلال الآونة الأخيرة، خاصة بعد حريق سنترال رمسيس وتصادف وقوع حرائق خلال فترات متقاربة في مناطق عدة. في محاولة لربط تكرار الحرائق في مصر بوصفها ربما تكون عمليات إرهابية بيئية تستهدف البلاد.
لكن الأمر المؤكد بالنسبة لي - قبل الحديث عن مفهوم الإرهاب البيئي- أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب تحقيقات وأدلة قوية من الجهات المختصة. فأي ربط دون أدلة دامغة سيبقى في إطار التكهنات. في حين أن معركة الوعي تتطلب دوما فهما عميقا ووافيا لكل ما يحدث دون تسرع.
فقد شهدت السنوات الأخيرة عالمياً تناميًا في الوعي بمفهوم "الإرهاب البيئي"، الذي يصف الأعمال المتعمدة التي تهدف إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة، إما لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو ببساطة لإثارة الفوضى والدمار. وبينما كانت الأذهان تتجه تقليديًا نحو التفجيرات والاغتيالات، فإن المشهد يتسع ليشمل استهداف البنى التحتية البيئية، وتسميم الموارد الطبيعية مثل المياه أو التربة، وإشعال الحرائق على نطاق واسع، في محاولة لزعزعة استقرار المجتمعات وإلحاق ضرر طويل الأمد.
تعد الحرائق من الأمثلة الأكثر انتشارا لنماذج الإرهاب البيئي. وفي هذا السياق، تطرح حادثة حريق سنترال رمسيس تساؤلات ملحة حول طبيعة هذه الحرائق المتكررة في مصر. فبغض النظر عن الأسباب المباشرة التي قد تكون فنية أو نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، يظل التكرار الملحوظ لحرائق واسعة النطاق في منشآت حيوية أو مناطق ذات كثافة سكانية عالية، محفزًا للتفكير في أبعاد أوسع قد تتجاوز مجرد أن ما يقع حوادث عابرة.
ففي حالات ما يمكن أن ينطبق عليه مفهوم الإرهاب البيئي، يهدف الفاعلون إلى إحداث دمار بيئي واسع النطاق، وبالتالي التأثير على الصحة العامة وتدمير سبل العيش، أو بث الذعر في المجتمع من خلال تخريب البيئة.
يمتد مفهوم الإرهاب البيئي ليشمل أيضا أشكالاً متعددة من التخريب، منها تخريب محطات الطاقة والمنشآت المائية من خلال استهداف البنية التحتية الحيوية لإحداث تلوث واسع النطاق أو تعطيل إمدادات المياه. أيضا إشعال حرائق الغابات المتعمدة كأداة لتدمير التنوع البيولوجي أو تهجير السكان، أو التسبب في تسربات نفطية أو كيميائية في المسطحات المائية من بحار او أنهار.
الحقيقة أن الإرهاب البيئي أو الإضرار بالموارد الطبيعية كسلاح لإرهاب المجتمعات هو أمر لا يهدد النظم البيئية فحسب، بل يهدد الأمن القومي للدول، ويُلحق أضراراً طويلة الأمد بصحة الإنسان والاقتصاد.
لكن من الضروري التأكيد على أن ربط هذه الحوادث بالإرهاب البيئي يتطلب أدلة قوية وتحقيقات شاملة من قبل الأجهزة الأمنية والجهات المختصة. فلا يمكن الجزم بذلك دون التحقق من وجود دوافع إجرامية أو تخريبية متعمدة، ووجود يد تقف وراء هذه الأعمال.
ومع ذلك، فإن تكرار الظاهرة يفرض على الدولة والمجتمع إعادة تقييم شاملة لإجراءات الأمن والسلامة في جميع المنشآت، وتكثيف الجهود للكشف عن أي شبهة جنائية. قد تكون بعض هذه الحرائق نتيجة لإهمال أو قصور في الصيانة، لكن لا يمكن إغفال الاحتمال - وإن كان ضئيلًا - بأن تكون هناك أيادٍ خفية تسعى لإثارة الفوضى والدمار.
فالعالم اليوم يواجه تحديًا متزايدًا من مخاطر الإرهاب البيئي، الذي قد يصبح أداة جديدة للجماعات المتطرفة أو الأفراد الذين يسعون إلى إحداث أكبر قدر من الضرر للمجتمعات او الدول المستهدفة. وتتطلب مواجهة هذا التهديد استراتيجية متعددة الأوجه تشمل نشر الوعي بمفهوم الإرهاب البيئي وخطورته ، وتعزيز أمن المنشآت الحيوية والبنى التحتية، حمايةً لأمن وسلامة المواطنين ومستقبلهم البيئي.
حفظ الله مصر!
محمد مندور يكتب: الحرائق والإرهاب البيئي
