الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أغلفة ديوان لأعمال نجيب محفوظ سيئة..

الروائي ياسر عبد الحافظ: "رماد العابرين" مغامرة فنية.. والجري وراء القاريء فكرة مبتذلة|حوار

ياسر عبد الحافظ
ياسر عبد الحافظ

يستعد الكاتب والروائي ياسر عبد الحافظ لطرح روايته الجديدة "رماد العابرين"، بعد فترة توقف طويلة عن النشر أية أعمال، إذ أن إنتاجه الأدبي قليل -إلى حد ما-، وهو الأمر الذي دافع عنه "أكتب بشكل مستمر لكني لا أنشر إلا ما أراه جديرًا بالصدور".


لذلك كان هذا الحديث معه الذي كان حول عمله القادم، وكذلك تجربته مع برنامج الكتابة، ضمن منحة آيوا للكتابة، إذ تحدث معنا عن تجربته داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه تحدث معنا عن رأيه في أغلفة نجيب محفوظ الأخيرة؛ لذلك كان هذا هو الحوار التالي.


لك رواية ستصدر قريبًا عن دار الشروق تحت عنوان "رماد العابرين"، في البداية أود معرفة الفكرة الرئيسية للرواية، ومتي ستصدر؟


المفترض أن تصدر الرواية خلال الفترة القليلة المقبلة، وهي رواية تدور في سبع ساعات وفي عالم مواز تختلف قوانينه ومعالمه عن الواقع وإن تشابهت معه وأبطالها هم الموكولون بتنظيم قواعد ومسارات الانتقال بين العالمين. سؤال الرواية الأساسي كيف يتأكد الإنسان من أنه قد مات، ما الذي يثبت أنه ما زال حيًا؟ هي رواية تسعى للتفرقة ما بين الموت والحياة. والعمل أعتبره مغامرة فنية مختلفة عما سبق وكتبته في "بمناسبة الحياة" و"كتاب الأمان"

أنتجت ثلاثة أعمال من قبل.. هل تظن أن إنتاجك الأدبي قليل نوعًا ما؟

 

نعم هو قليل لكن ذلك لا يعتد به عند الكلام على الفن، خاصة أنني أكتب بشكل مستمر لكني لا أنشر إلا ما أراه جديرًا بالصدور. بعد روايتي "كتاب الأمان" أنجزت رواية أخرى تحت عنوانها "ابتذال" وبعد أن انتهيت منها ولسبب ما لم أقتنع بها فأهملتها وبدأت كتابة عمل آخر؛ وهو "رماد العابرين"، بشكل عام لا أنقطع عن الكتابة، لكني دائمًا ما أتراجع عن فكرة "النشر"،  وهذا ما راكم لدي أربع أو خمسة مشروعات بينها مجموعة قصصية، أنتجتها بين الأعمال الثلاثة التي نشرتها. دائمًا ما أتردد حول العمل الذي أريد نشره، واسأل نفسي سؤال مفاده: "ما العمل الذي يمكن أن يعني لي وللقراء شيئًا؟" وسط الإنتاج الروائي المتعدد، في الوسط الثقافي المصري والعربي، وهذا السبب هو ما يعطل صدور العديد من المشاريع، والتي من الممكن أن أعيد النظر فيها مرة أخرى أو أن أعيد كتابتها من جديد.

 

كان لك كتابة مؤخًرا في منحة آيوا الأمريكية، كيف تقيم تلك التجربة، وما الذي أضفته لك؟

 

كانت تجربتي ضمن برنامج "آيوا" للكتابة تجربة مهمة، فقد كانت تلك هي الزيارة الأولى إلي أمريكا، وجاءت مباشرةً بعد زيارتي للصين؛ وهو ما يمنحني القدرة على المقارنة بين أهم قوتين عظميين في العالم حاليًا وهما "الصين وأمريكا". لكن من نواحي مختلفة، فقد كانت تجربة مفيدة جدًا ذلك أن برنامج الكتابة الخاص بـ "آيوا" هو برنامج متطلب جدًا، إذ إنه ليس مجرد منحة يتفرغ فيها الكاتب للكتابة فقط، ولكن هذه المنحة تتطلب الكثير من العمل والجهد، فطوال الوقت هناك ندوات ولقاءات على مستوى المشاركين أنفسهم أو مع المنظمين، وكذلك مع جمهورالمدينة، ما يعني أن التفاعل الثقافي والإنساني يتم على أكثر من مستوى ومع جنسيات مختلفة ومتعددة وهي ميزة يوفرها ويضمنها المجتمع الأمريكي. هي بمثابة فرصة لأي كاتب لاختبار ثقافته وقناعاته وقدرته على التفاعل مع الثقافات الأخرى على أرض الواقع. وبالتأكيد هي تجربة مُلهمة على مستوى الكتابة أيضًا، فقد كتبت هناك نصا وقرأته على جمهور آيوا، وهو مستوحي من علاقتي بالثقافة الأمريكية، وعلاقتي بالثقافة الغربية بشكل عام وله علاقة أيضًا بالثقافة العربية، فهما ثقافتان دائمًا ما كان بينهم  حالة "شد وجذب"، إذ أن علاقتنا بأميركا هي علاقة عجيبة، ومعقدة، فهي وسط ما بين  الإعجاب والكراهية، وكثقافة مؤثرة وكرأس مال محتل وعدواني، وهذا ما كتبه على مستوى النص الذي حمل عنوان "السنجاب الأعمى"، والذي أظن أننى سأكمله حتى يصبح عمل أكبر ما بين أدب الرحلات، وبين الرواية.


أما المستوى الثالث فممكن أن يكون "هامشي"، ولكنه كان مهمًا بالنسبة إليّ، وهو مستوى "اللغة" فقد كانت فرصة عظيمة لي على مستوى اللغة، ولا أقصد هنا لغة الحوارات اليومية ولكن لغة الثقافة والأدب أننا في مصر والعالم العربي، أصبحنا معزولين، والعالم الثقافي الخارجي أصبح غنيا ومتطورا ووصل إلى مرحلة للأسف نحن بعيدين عنها، وعلى سبيل المثال، فقد كان معنا كاتبات ومن ضمنهم كاتبة قرأت للجمهور نص من الممكن أن "تسجن" إذا قرأته في بلد عربي، وهو نص ليس له علاقة بالسياسة، لكنهُ كان حرًا في التعامل مع الجسد والتعامل مع قضايا تخص "الجنس" وتشبيكها مع الواقع اليومي والناس، والناس هناك تتلقى ذلك بتفهم لمعنى الأدب ووظائفه وضرورة أن يحظى بالحرية.

 

ياسر عبد الحافظ: قيم الفن تم إهدارها وفكرة دار ديوان "مبتذلة"

 

لننتقل لسؤال آخر.. كيف استقبلت أغلفة نجيب محفوظ الأخيرة والتي كشفت عنها ديوان للنشر؟


أتفق مع الرأي القائل أن الأغلفة سيئة وغير معبرة عن محتوى نجيب محفوظ، إذ أن هناك أعمالًا "كلاسيكية" لا بد من التعبير عنها بما يوافق تركيبتها ومحتواها، فأنا لست ضد الحداثة، ولا التجريب، ولكن لا بد من إيجاد التوازن بين عناصر العمل الفني، والتي على رأسها هنا أن نجيب محفوظ عمل كلاسيكي، فإذا أردت التجديد فيجب أن يتسم العمل بقدر كبير من الحساسية الفنية، بحيث يكون هناك توازن بين المضمون الكلاسيكي والشكل التجريبي؛ لكن في حالة أغلفة ديوان لا يوجد أي توازن بين الشكل الخارجي والمضمون يصل إلى درجة التنافر بينهما كأننا إزاء عملين منفصلين. هناك العديد من الفنانيين أقدر مني على تحديد أسباب هذا التنافر من وجهة نظر جمالية، لكني إن تحدثت كقارئ لأعمال محفوظ فلا أحب أن  تضم مكتبتي مثل هذه الأغلفة الأغلفة، لأنها تشويه لتراث محفوظ وتحويله لـ "أضحوكة" فهذا الموضوع أطلق سيل من السخرية أصبح من غير الممكن وقفه وبشكل ما يمس محفوظ وأعماله.


والمناسبة هناك شئ في منتهى الخطورة يحدث في مصر، وهو محاولة الجري وراء القارئ ومحاولة إرضاءه بكل السبل، وهنا تأتي وجهة نظر دار ديوان، فهي تبرر بأنها تسعى إلى الوصول لقارئ جديد، وأنا بالطبع أحترم ذلك ولكن يجب أن أفرض على القارئ شروطي ككاتب ودار نشر، لأني "فاعل"، والقارئ متلقي، أريد أن أوصل إليه تلك الثقافة، لأنه ليس من المفترض أن تنزل الدار لمستوى القارئ بمثل هذا الابتذال، فالفكرة نفسها مبتذلة والرهان عليها يشبه منطق أفلام المقاولات. المنطق الفني السليم يفرض أن أعبر عن ثقافتي ومشروعي وأراهن على قوته بجرأة، وليس من خلال الجرى وراء القارئ، في محاولة لإرضاءه، لأنه إذا حاولنا إرضاء القارئ الجديد بشتى الطرق وابتذلنا له الأفكار والأغلفة فكيف سنبتذل له الفلسفة والشعر والرواية؟ بهذا المعنى نحن نهدر كل قيم الفن، لأنه يجب أن يكون المعيار الأساسي هو تحقيق الشروط الفنية للعمل قبل التفكير في القارئ.