قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. عادل القليعي يكتب: مَا بَيْنَ شِعْبِ أَبَي طَالِبِ وَشِعْبِ غَزَةِ زَمَكَانِيةٌ مَعْلُومَةٌ!

أ.د عادل القليعي - أستاذ الفلسفة بآداب حلوان
أ.د عادل القليعي - أستاذ الفلسفة بآداب حلوان

ما بين صمت كصمت أهل القبور ، وبين شجب وإدانات هنا وهناك ، وبين منظمات حقوقية وما هي بحقوقية تكيل لا أقول بمكيالين وإنما بمكاييل متعددة حسب الأهواء والشهوات والمصالح ، وبين حكومات مترهلة لا تملك من أمرها شئ ، لا تملك حتى الشجب والإدانة اللهم إلا على استحياء.

وبين دولة تقف تغرد منفردة تتعرض لكل صنوف المكر والحيل والدهاء ، إن سياسيا أو تلويح بوقف معونات ، أو بتدبير مؤامرات لزعزعة أمنها واستقرارها وإثارة البلبلة والشكوك في كل منجز تم على أرض واقعها ، لا لذنب اقترفته هي وشعبها اللهم إلا وقفت في وجه الطغيان وغردت ولا تزال تغرد على الرغم من قيمة فواتيرها التي تسددها ، إنها مصر.

وبين شعوب مقهورة مغلوبة على أمرها ، سواء شعوب عربية إسلامية أو شعوب العالم ، لا تملك حيلة اللهم إلا الدعاء والتضرع إلى الإله كل حسب معتقده فمن في مساجدهم سجدا ركعا تنسال دموعهم من مقلهم ، ومن في كنائسهم تسمع أجراسها تعزف ألحانا حزينة يشكون إلى مريم البتول حال غزة وما وصل إليه أهلها ، وما بين مسيرات حاشدة تجوب شوارع العالم لا حيلة لهم إلا الهتاف تنديدا بعنصرية المشهد برمته.

بين كل هذه الأمور يبقى الوضع هو هو كما هو ، يبقى الوضع على ما هو عليه.

فإنه فضلا عما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته المستضعفين من بطش وتنكيل كفار ومشركي قريش وفضلا عن الإبادة التي تمثلت في التطهير العرقي الذي مارسه أبا جهل ولكل عصر أبا جهله ورفاقه من تعذيب وبطش بفقراء الصحابة وإذاقتهم صنوف العذاب .

فإنه لم يكتفي هؤلاء الكفرة الفجرة بذلك إلا إنه سول لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا ، وبال في أذن كبرائهم أن لا تبيعوهم ولا تشتروا منهم وعقدوا اجتماعهم ووقعوا على وثيقة المقاطعة ، ليس هذا وحسب ، بل ومحاصرتهم في أرض يمتلكها أبا طالب عم النبي ثلاثة أعوام  ، فكانت النتيجة الحتمية .

 الجوع القاتل الذي أودى بحياة الأطفال الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتع ، حتى ورق الشجر أكله الجميع ، حتى الحجارة رضعها الأطفال ، ضاقت الأرزاق ، وجف الضرع وهلك الحرث والنسل ، ورسول الله حاله حال الجميع ، لا معونات إنسانية ، لا قوافل إغاثة ، لا قوافل طبية ، ورسول الله صابرا محتسبا دأبه وديدنه وشغله الشاغل التضرع إلى الله تعالى .

 وما أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر إلا أتاه الله تعالى بالفرج القريب وتأتي الرياح وتشتعل النيران في دار الندوة وتلتهم النيران الوثيقة المعلقة إلا كلمة الله ، السر الأعظم سر الوجودين ، بسمك الله ، ويوحي الله لنبيه بالواقعة ويخبر عمه ويذهب إلى صناديد الكفر ويخبرهم بما قصه محمد رسول الله صل الله عليه ، ولو كان صادقا يرفعوا الحصار ، ورأوا المعجزة الكبرى ، الوثيقة تحترق بالكامل إلا لفظ الجلالة الأعظم ، وانقلب الكفار صاغرين وفكوا الحصار على الشعب.

وأنتم يا أهل غزة ، ما ظنكم برب العالمين ، هل تظنون أن الذي أخرج يونيو من بطن الحوت ، ووقى إبراهيم الخليل من النيران وحفظ محمد بخيوط العنكبوت ، هل تظنون أن الذي خلق الجنين في أرحام الأمهات وأطعمه ، هل تظنون أنه سيتخلى عنكم ، حتى وإن تخلى عنكم الكون كله ، فإن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا.

ماذا سيفعل بكم صناديد الكفر وأعوانهم أكثر مما فعلوا ، قتلوكم واستحيوا نسائكم وبقروا بطون الحوامل ورملوا نسائكم وهدموا البيوت فوق رؤوس قاطنيه ومنعوكم الدواء والكساء والشراب والطعام ، منعوكم كل مقومات الحياة المادية وسلباكم كل ما يقوم حياتكم ، لكن وما بعد لكن ، هل فت ذلك من همتكم ، من عزيمتكم ، هل زحزحوكم قيد أنملة عن عقيدتكم.

عن إيمانكم بعدل قضيتكم وأنكم أصحاب حق.

إن صدق حدسي ، أظنكم أهل قول الله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا أن يثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، مع تأويل غير مخل بالنص ، فالآية نزلت في صورة التخصيص المشمول بالتعميم ، فكل مستضعف ، مضطهد ، مكره على الخروج من دياره ، إلا إنه ثابت ثبوت الجبال الرواسي تشمله هذه الآية دونما إخراج للنص عن سياقاته.

وأظن قوله تعالى (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)، نزلت في كل مكير ، ثعلب يتحين الفرص لينقض على الآمنين ويسلبهم حرياتهم ويحتل أراضيهم ويخرجها من دورهم.

لكن نقول لهؤلاء الماكرين المخادعين المغتصبين ، لا تحسبوا الله غافلا عما تعملون.

(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)

فصبر جميل أهل غزة واصبروا وصابروا واعلموا أنما النصر صبر ساعة وسيعلم الذين ظلموا أي متقلب ينقلبون.

فما بين الشعبين شعب أبي طالب وشعب غزة زمكانية محددة الزمان والمكان ، فليس ثمة شدة تدوم.

وكما علمنا التاريخ الحديث والقديم والوسيط والمعاصر ، أن الغلبة لأصحاب الحق وأن النصر صبر ساعة.