الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طه حسين.. المقبرة والتاريخ

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

الضجة التي أثيرت ولا تزال، حول ما تردد من أنباء حول إزالة مقبرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، حيث تنفذ الدولة عددا من المحاور المرورية الجديدة، لخلق منافذ وطرق جديدة  للقضاء على التكدسات المرورية، التي تعاني منها محافظة القاهرة، لم ترس على شاطئ بعد. 

وباستثناء تداول رواد التواصل الاجتماعي صورا لمقبرة "العميد" وقد كتب عليها مؤخرا كلمة إزالة، تمهيدا لما تردد عن إزالتها ضمن أعمال محور سميرة موسى وحسب الله الكفراوي وياسر رزق، بأحياء الخليفة، والمقطم، والبساتين، ومصر القديمة، وذلك لربط محاور وطرق شرق القاهرة بجنوبها. 

وبعيدا عن تعمد البعض إشعال الأزمة، باختلاق قصص وحكايات لم تتأكد بعد، لأنه فعليًا ليس هناك بدء لعملية الإزالة، وليس هناك توضيح رسمي من محافظة القاهرة، لما سيحدث مع هذه المقابر وبعضها تاريخية مثل مقبرة عميد الأدب العربي "طه حسين"، وهو ما سيظهر خلال الأيام القادمة.

فإن الضجة الهائة حول إزالة مقبرة العميد الدكتور طه حسين كات مناسبة للتوقف أمام فكر هذا الرجل الذي أضحى وبحق أسطورة فكرية مصرية عبر التاريخ.

وطه حسين لمن لا يعرفونه من الجيل الجديد، هو صاحب المؤلفات ذائعة الصيت الفتنة الكبرى وعلي وبنوه وفي الشعر الجاهلي والشيخان وعلى هامش السيرة وغيرها.

شغل الدكتور طه حسين الناس حيًا وميتا، بأفكاره التي جاءت في صدر عصر النهضة المصرية، لتلقي بحجر ضخم في المياه الراكدة.

وقد كان بداية الصخب، حول رحلة الدكتور طه حسين الفكرية، بأطروحته للدكتوراة ذكرى أبي العلاء، وساعتها طالب الأزهر الشريف بعدم منح طه حسين درجة العالمية، اعتراضا على مؤلفه والوقوف أمام شخصية أبي العلاء واتهامه بالزندقة والمروق والخروج عن مبادئ الدين. 

لكن أطروحة الدكتور طه حسين وجدت طريقها للنور، وظهرت عن حياة أبي العلاء وهى شخصية خلافية في التاريخ الإسلامي برمته. 

ولم تثنِ معركة أبي العلاء، الدكتور طه حسين، عن مواصلة فكره، وفي عام 1926 ألف الدكتور طه حسين كتابه المثير للجدل في الشعر الجاهلي، وقامت القيامة ضده، لأنه قال إن الشعر الجاهلي منحول وإنه كتب بعد الإسلام، ونسب للشعراء الجاهليين، وتضمن كتابه فقرات وجمل لاذعة، رآها البعض تجاوزا، واتهم طه حسين بالإساءة للدين الإسلامي وعدل عنوان كتابه، بسبب الضجة الهائلة، ليصبح "في الأدب الجاهلي".

وفي الجامعة، كانت معارك الدكتور طه حسين ملء السمع والبصر، فاصطدم بوزارة المعارف، عندما أعطت الدكتوراة الفخرية لعدد من السياسيين، منهم عبد العزيز فهمي وتوفيق رفعت وعلي ماهر باشا، وأحيل للتقاعد مبكرا عام 1932 لكنه ما لبث أن عاد للجامعة المصرية عام 1934 بصفته أستاذا للأدب ثم عميدا لكلية الآداب عام 1936.
وسارت رحلة الدكتور طه حسين، الكفيف الذي أنار الحياة الفكرية والعقلية لعشرات الملايين من المصريين بكتبه الرائدة ومنها "مع أبي العلاء في سجنه"، ومستقبل الثقافة في مصر، ومع المتنبي وفلسفة ابن خلدون الاجتماعية.

سطع الدكتور طه حسين شهابا منيرًا في الفكر العربي وفي سماء التنوير بأفكار ذائعة الصيت، خلقت زخما غير مسبوق.

ورد عليه الكثيرون في حياته، بكتب حول محاكمته ومحاكمة فكره  وعندما رحل في عام 1973، عن عمر ناهز الـ84 عاما، كتب عملاق الأدب العربي، عباس محمود العقاد مقالا يودعه فيه قائلا: "إنه رجل جرىء العقل مفطور على المناجزة والتحدي".

والخلاصة.. تاريخ طه حسين وفكره الهائل، يقتضي منا التعامل بخشوع أمام مقبرة هذا الرجل ورفاته، فطه حسين هو أحد الخالدين الكبار في سماء الأدب العربي، طوال القرن العشرين وما بعده.