الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أهل الاختصاص هم مَنْ يتحدثون في أمور الدين

د صفوت عمارة
د صفوت عمارة

اتفق عقلاء البشرية من قديم الأزل على احترام التخصصات في جميع الفنون، وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه اللَّه: "إذا تكلم المرءُ في غير فنِّه أتى بهذه العجائب".

فمن غير المقبول أن يتصدّر غير المتخصص للحديث عن مجال لا علاقة له به؛ لما في ذلك من الجناية على العلم، وفتنة الناس وتضليلهم، وقال الإمام الشافعي رحمه اللَّه: "وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له إن شاء اللَّه"، وعندما جاء الإسلام أرسى مبدأ احترام التخصص؛ فدعا الناس إلى التوجه بالسؤال لأهل الاختصاص دون غيرهم، عملًا بما أرشدنا إليه القرآن في قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، أي أهل التخصص في المجال المسؤول عنه لا غيرهم.

 

 ومن المعروف أنَّ الإفتاء إخبار بحكم اللَّه تعالى عن دليل شرعي، ونظرًا لأهمية منزلته فقد اشترط العلماء شروطًا عديدة لمن يتصدر هذا المنصب الشريف، ومن أهم ما ذكره أهل العلم فى هذا الشأن أن يكون متصفًا بالعلم والتقوى والورع ونحو ذلك من الصفات الحسنة، وهذا الأمر يُعرف من شهادة الناس له وثنائهم عليه، كما قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «أنتم شهداء اللَّه في الأرض..».

الفتوى أمر عظيم، ومهمة ليست سهلة؛ لأنها بيان لشرع رب العالمين، والمُفتي يوقّع عن اللَّه تعالى في حُكمه، ويقتدي برسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في بيان أحكام الشريعة، وأهل العلم العارفون بخطورة الفتوى يفرون منها، وعن مرتبة الاجتهاد قال الإمام الشافعي فيما رواه عنه الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه له: «لا يحل لأحدٍ أن يفتي فى دين اللَّه إلَّا رجلًا عارفًا بكتاب اللَّه، بناسخه ومنسوخه، وبمحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، وفيما أنزل، ثم يكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، بالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن.

 ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتى فى الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي»، ومعنى القريحة أن يكون المفتى صحيح الاستنباط، وحسن التصور للمسائل، كما يضاف إلى ما سبق الفطانة والتيقظ؛ فقال ابن القيم: "ينبغى أن يكون المفتى حذرًا فطنًا فقيهًا بأحوال الناس وأمورهم، يوازيه فقهه فى الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم، فالغِرُّ ينظر إلى ظاهرها ويقضى بجوازه، وذو البصيرة ينقد مقصدها وباطنها".