الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فورين بوليسي: قلق في الاتحاد الأوروبي والغرب بسبب التقارب الاقتصادي بين ألمانيا والصين

ألمانيا والصين
ألمانيا والصين

سادت حالة من القلق الشديد لدى الاتحاد الأوروبي وجبهة عريضة من التكتل الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بسبب التقارب الاقتصادي بين ألمانيا (أكبر اقتصاد أوروبي)، والصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم).
وتعرض المستشار الألماني أولاف شولتز نفسه إلى انتقادات بسبب الزيارة التي قام بها إلى الصين أوائل شهر نوفمبر، وصلت إلى حد ممارسة ضغوط سياسية من أجل إعادة التفكير في علاقة برلين مع بكين.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الرئيس الصيني "شي جين بينج" أكد ـ قبيل اللقاء - أنه يجب أن يتمتع القادة السياسيون بالهدوء لقبول الأشياء التي لا يمكنهم تغييرها، والشجاعة لتغيير الأشياء التي يمكنهم تغييرها، والحكمة للتمييز بين الاثنين"، معتبرة أن هذا التصريح يعكس الطريقة التي حدد بها الرئيس الصيني شروط لقائه مع المستشار الألماني في بكين، وأن زيارة شولتز للصين (وهي الأولى التي يقوم بها زعيم في مجموعة السبع بعد فوز بينج بولاية رئاسية ثالثة في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر الماضي)، وفرت فرصة كبيرة لإعادة تأكيد المصالح الأساسية لبكين، دون أن تكترث الأخيرة بالقضايا الملحة التي تشغل بال الغرب سواء في بحر الصين الجنوبي أو ملف حقوق الإنسان.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن التعامل الدبلوماسي مع الصين، يعد أمرا بالغ الأهمية، وأنه على عكس الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة العالم الآخرين، الذين استخدموا قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا، كمنصة لأي حوار ثنائي مع بينج، فقد استبق شولتز ذلك بزيارة إلى بكين، بدعوى أن الوقت قد حان للتحدث مباشرة مع بينج بعد توقف دام ثلاث سنوات منذ جائحة "كوفيد-19"، وأنه "مع تغيير الصين لنهجها، يجب أن يكون أسلوب تعاملنا معها مواكبا لذلك".
وترى "فورين بوليسي" أن نهج شولتز المتمثل في ألمانيا أولا تسبب في إرباك الشركاء في أوروبا وخارجها، خاصة وأنهم يرون أن الطريقة الأكثر فعالية للتعامل مع الصين هي من خلال جبهة موحدة، وأن قيام شولتز بذلك بمفرده، بناء على المصالح الوطنية الذاتية، يمثل نقطة ضعف يمكن للصين استغلالها.
ودللت المجلة على ما ساقته بالإشارة إلى أنه خلال قمة مجموعة العشرين، كان تفضيل الرئيس الصيني التعامل مع القادة على المستوى الثنائي واضحا تماما، حيث التقى بقادة كل من فرنسا واسبانيا وهولندا وإيطاليا، مع تجنب أي ارتباطات رسمية مع رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" أو رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشال"؛ ما يشير إلى أن بينج تجنب القيادة في بروكسل - التي تمثل المصالح الجماعية - وبدلا من ذلك، ركز على القادة الوطنيين الذين يطرحون مصالحهم والتزاماتهم على الطاولة.
وعلى الرغم من أن شولتز أثار بالفعل قضايا صعبة أثناء وجوده في بكين - خلال الاجتماعات الخاصة والعامة على حد سواء - إلا أن نهجه (وفقا للمجلة الأمريكية) أدى إلى إلحاق الضرر بسياسات الاتحاد الأوروبي بشأن الصين، حيث ترك المستشار الألماني انطباعا قويا بأن أولويته هي تعزيز العلاقات الاقتصادية لبلاده مع الصين بغض النظر عن رؤية القادة الأوروبيين الآخرين؛ ما قد يجعل الصين تنظر إلى ألمانيا تحت حكم شولتز بأنها حلقة ضعيفة في تحالف غربي، ويمكن أن تسعى لاستغلال ذلك.
ويرى المدافعون عن زيارة شولتز أن المستشار الألماني حمل رسائل واضحة وقوية أثناء وجوده في بكين، منها: إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وإثارة ملف حقوق الإنسان، ومسألة التصعيد في مضيق تايوان، والممارسات الاقتصادية غير العادلة، فيما حذر الرئيس الصيني علنا من استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا ووافق على استخدام لقاحات BioNTech للمقيمين الأجانب في الصين، وهو ما لم يكن يحدث –وفقا للمدافعين- إذا ظل شولتز في برلين، ولم يقم بهذه الزيارة إلى بكين.
بينما يرى الجانب الآخر أن الرئيس الصيني لم يذكر روسيا باعتبارها القوة التي تهدد باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، إلى جانب مواصلة بكين امتناعها عن إدانة العملية العسكرية الروسية، كما أن قيام الصين أو غيرها بتعريف استخدام الأسلحة النووية كخط أحمر في أوكرانيا يرسل إشارة إلى أن العملية الروسية المستمرة هناك مقبولة، وهو أمر – وفقا لرافضي الزيارة - يسمح لبكين بتصوير نفسها كلاعب عالمي مسؤول بينما تفعل القليل لتحقيق السلام.
وبالنسبة لمعظم المراقبين، يبدو أن الهدف الحقيقي من زيارة شولتز هو تعزيز النشاط التجاري لألمانيا مع الصين، وقد تجلى ذلك في قوام الوفد المرافق له والذي ضم عددا من المسؤولين التنفيذيين لشركات صناعية كبرى مثل فولكس فاجن وسيمنز و"بي إيه إس إف" BASF أكبر منتج للكيماويات في العالم، كما أن الرحلة جاءت بعد موافقة شولتز على استثمار عملاق الشحن الصيني (كوسكو) في ميناء هامبورج رغم وجود اعتراضات ومخاوف من جانب مسؤولين سياسيين وأمنيين ألمان.
ويؤكد "أوليفر زيبسي" رئيس شركة BMW، وهو جزء من الوفد، في تصريحات لوسائل إعلام صينية، أن هذه الزيارة ترسل إشارة قوية نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين وألمانيا، وهو تصريح ردده الدبلوماسيون الصينيون ووسائل الإعلام الحكومية في بكين، حيث جاء في البيان الرسمي للحكومة الصينية عقب اجتماع شولتز وبينج أن "ألمانيا مستعدة لتعاون تجاري واقتصادي أوثق مع الصين، وتدعم المزيد من الاستثمار المتبادل بين الشركات الصينية والألمانية".
ولفتت المجلة إلى أن شركاء شولتز في الائتلاف الحكومي لا يتفقون تماما مع هذه الزيارة، ويرون أن الشركات الألمانية المعتمدة بشدة على الصين تحتاج إلى أن تدرك أنها "تخاطر بأعمالها" في حال وجود رياح معاكسة جيوسياسية مع الصين، مثل صراع محتمل بشأن جزيرة تايوان، وفي المقابل، يجادل شولتز نفسه بأن ألمانيا وآخرين لا يمكنهم رفض التعامل مع الصين، وأن فكرة الانفصال عنها "أمر خاطىء"، مشددا على أن الأمر يتعلق بالتعامل مع الصين بطريقة فعالة، مع السعي إلى التنويع المستهدف للأسواق وسلاسل التوريد، لاسيما في القطاعات الحيوية. 
واعتبرت "فورين بوليسي" أن شولتز يجب في النهاية ألا يسمح لعدد قليل من رجال الأعمال الأقوياء بالتأثير بشكل غير ملائم على السياسة الخارجية لحكومته، خاصة وأن الرؤساء التنفيذيين المهتمين بالربح فقط لن يقدموا أي شيئ أكثر من وجهة نظر أحادية التفكير وقصيرة النظر بشأن المشاركة مع بكين.
وقالت المجلة الأمريكية في هذا الصدد "إن استطلاعات الرأي تظهر أن الناخبين الألمان لا يثقون في الصين ويعارضون كلا من استثمار شركة كوسكو الصينية في ميناء هامبورج وإعطاء أية أولوية للنشاط التجاري على حقوق الإنسان، وهو ما يفرض على المستشارية الألمانية تطوير نهج أكثر تطورا تجاه الصين يوازن بين مرونة ألمانيا الاقتصادية على المدى الطويل والمخاوف السياسية والأمنية".
وترى المجلة أن إعطاء الأولوية للاستثمار الصيني في وقت تدفع فيه أوروبا ثمنا باهظا لاعتمادها المفرط على الغاز الروسي لا يشكل مثالا جيدا للآخرين في الاتحاد الأوروبي، مشددة على أهمية أن تعمل ألمانيا بجدية أكبر مع الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء ذوي التفكير المماثل، إذا أرادوا جميعا أن يكون لديهم أي تأثير حقيقي على صنع القرار في بكين حيال القضايا الملحة التي تتشابك مع المصالح والمبادئ الغربية.