الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستثمر الاجنبي والرخصة الماسية

نهى زكريا
نهى زكريا

 الاستثمار، عصا موسى السحرية التى تبحث عنها جميع الدول حاليًا؛ لمواجهة مشاكلها الاقتصادية، خاصةً بعد جائحة كورونا القاتلة، والحرب الروسية الأوكرانية، المُمتدتين  التوابع حتى اليوم.

منذ أيامٍ قلائل، أصدر مجلس الوزراء "الرخصة الذهبية"، وهى إحدى طرق التيسير على المستثمر لإنجاز مشروعاته، وتعنى "الموافقة الواحدة" على إقامة المشروع والعمل به وإدارته، ويتم منحها للمشروعات القومية و كذا المشروعات بين القطاعين العام والخاص والدولة، تمنح من خلالها الأخيرة الحوافز بجميع أشكالها.

وبالطبع لم تكن لتُمنح الرخصة الذهبية للمستثمر عشوائيًا، وإنما طبقًا للجدية والالتزام واحترام الاتفاقات، كانت هناك مجموعة من الشروط وضعتها الحكومة للمستثمر مقابل الحصول عليها والتمتُّع بمميزاتها، أبرزها التزامه بتقديم برنامجٍ زمنىٍّ للتنفيذ، وأيضا توفير جميع المرافق الخاصة بالبنية التحتية للمشروع، ولعله أهم الشروط وأقواها؛ لأنه سيُوفِّر على الدولة الكثير من الأموال التى تُنفق على تمهيد البنية الصالحة لإقامة المشروعات.

بتاريخ 27 أكتوبر المنصرم، كتبت عن الاستثمار وفكرة إنشاء إدارة خاصة تابعة لمجلس الوزراء والهيئة العامة للاستثمار، تكون مُختصةً بالمشروعات القومية والاستثمارات الأجنبية التى تنشأ على السواء، وحقيقة الأمر أن المستثمر الأجنبى لا يهتم كثيرًا بحوافز الاستثمار، قدْر اهتمامه الكبير بماذا بعد البداية، بمعنى كيفية التعامل مع أجهزة الدولة عقب شُروعه فى إقامة مشروع ما.

والسؤال الذى يجب الإجابة عليه بكل وضوحٍ وشفافيةٍ؛ حتى ننجح فى مهمتنا الاستثمارية المأمولة هو: هل حدَّدت الرخصة الذهبية طريقة التعامل المُثلى مع المستثمر الأجنبى بعد البدء فى مشروعه فى بلدٍ لا يعرف عن عاداته وقوانينه إلا القليل؟.. 
إن إصدار القوانين أبسط وأيسر خطوات الاستثمار، ولكن طريقة الالتزام والتنفيذ تُعدُّ الأصعب، وهى التى يتوقَّف عليها نجاح الغاية والهدف من خروج القانون وإصداره؛ مثل الموافقة على صناعة دواء، حيث لا تتم الموافقة عليه قبل تجربته أولًا، ومن ثمَّ معرفة فاعليته وتأثيراته الإيجابية ونُدرة أضراره ربما لمدة تصل إلى سنوات، وبعدها يُسمح باستخدامه، وبالمثل القانون يجب تجربته بدايةً على شريحة معينة من المستثمرين، ثم بعد ذلك ندرس المناسب منه، ونستبعد غير المجدى والذى سوف يُصبح عقبةً فى وجه الاستثمار.

منذ أكثر من عشرين عامًا كتب أحد الصحفيين عن أرقام المشروعات التى تنشرها هيئة الاستثمار على صفحتها، وقال إنه إذا كانت هذه هى حقيقة المشروعات الموجودة بالهيئة، فنحن بحاجةٍ إلى استيراد أيدٍ عاملة، فماذا عن النسبة العالية من البطالة لدينا إذن، حيث كانت أعداد المشاريع التى تمت الموافقة عليها كبيرة بشكلٍ غير عاد؟!

وفى إحدى زيارات الرئيس السيسى لوزارة الاستثمار، طالب بعدد المشروعات التى بدأت (التنفيذ) وليس رقم المشروعات التى وافقت عليها الهيئة، فهناك مَنْ يلهث للوصول إلى موافقة هيئة الاستثمار؛ لكى يحصل على سنواتٍ تُمكِّنه من العيش فى مصر دون قلقٍ، وهناك أسبابٌ أخرى كثيرة للحصول على الموافقة دون ممارسة أى استثمارٍ يُذكر!!

من هنا، وبالرغم من شروط الرخصة الذهبية الدقيقة، فإنه يُمكن الوصول لبعض الثغرات التى ستظهر بعد التنفيذ، لذا كان من الأفضل تحديد أقل نسبة مُستثمرين مع أعلى رأسمال مُصدر، وهذا بالنسبة للمستثمر المصرى.. 
أما المستثمر الأجنبى، فهو وضعٌ مختلف تمامًا، فهو من ناحيةٍ يعرف قدر مصر من ناحية الاستثمار، وما بمصر من مميزات، وهو مَنْ يدفع الضرائب فى معظم دول العالم ولا يحصل على الكثير من الحوافز الاستثمارية المصرية، لكن المشكلة الحقيقية عندنا فى التعامل مع الجهات الحكومية عقب البدء فى مشروعه، ويُمكن أن نقول عنها "خدمة ما بعد الاستثمار".

لذلك يُمكننا إضافة خدمة ما بعد الاستثمار، ولتكن الرخصة "الماسية"؛ وهى خدمة تخص القليل من المستثمرين الأجانب، بحيث يكون المشروع فى مجالٍ يُحارب الاحتكار "سرطان الاستثمار"، وأيضًا تقليل الاستيراد وتصدير المواد الخام، وزيادة التصدير فى المُجمل العام من الإنتاج.

وفكرة أن يكون عدد المستثمرين قليلًا هى فكرة تُمكِّننا من حماية المستثمر الأجنبى من أى استغلالٍ يتعرَّض له، فالإدارة ستكون مسئولةً مسئولية كاملة عن المستثمر، ولا يُمكن لأى جهةٍ حكوميةٍ كانت أو غير حكومية التعامل معه إلا من خلال هذه الإدارة.. ولك أن تتخيَّل إجابة سؤال ماذا لو كان رئيس الوزراء هو الداعم لهذا المستثمر، وسيكون ذلك بمقابلٍ مادىٍّ وبشروطٍ أكثر من الرخصة الذهبية، منها توفير العملة الاجنبية كوديعةٍ، والاقتراض من البنوك المصرية بالجنيه المصرى،
وبمرور السنوات ستتوسَّع هذه الإدارة فى أعداد المستثمرين، وفى كل تجربةٍ مع مستثمر ستظهر عيوبٌ بإمكاننا علاجها وتلاشيها مستقبلًا.

أيضًا ستكون هذه الإدارة من ناحيةٍ أخرى وسيلة دعاية قوية للاستثمار الأجنبى، فعندما يعيش المستثمر هذه التجربة الجديدة فى مصر؛ بالتأكيد سيُصبح رسولًا لنا فى بلده، والدعاية الجيدة تُعتبر أقوى وسائل نجاح الاستثمار، إذ يُمكن للدعاية وحدها بيع الهواء فى زجاجة؛ إذا كان المُعلن عن هذا المنتج كُفئًا، بينما لا يستطيع القانون وحده أن يكون سببًا فى نجاح الاستثمار، فوضع القوانين الجيدة فكرة جميلة، لكن تركها دون حدود كارثة، والأكثر سوءًا هو عدم الاهتمام بالإعلام فى عالمٍ أصبح مثل قريةٍ صغيرة، وسُمعة الاستثمار المصرى به يجب أن تكون فى منصته جيدة، فالسُمعة كما يقول تشرشل "تنزف فى كل كلمة".

أيها المصريون اجعلوا كل كلماتكم عن بلدكم طيبةً جميلةً لا يذهب عِطرها ولا ينضب عبيرها، واعلموا أن دوركم فى بناء بلدنا شىءٌ أساس لا يقل أهميةً عن دور المسئول، فلا يُمكن لدولةٍ أن تتقدَّم دون أن يُؤمن بها شعبها..