الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

موازين الحرب تتحول .. لماذا لا يزال السلام بين روسيا وأوكرانيا بعيدا؟

الحرب في أوكرانيا
الحرب في أوكرانيا

مع اقتراب نهاية عام الحرب الروسية الأوكرانية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه منفتح على محادثات سلام جادة، رغم أن جميع المؤشرات على أرض الواقع تنفي ذلك، ومع رفض كييف والغرب الانخراط في المفاوضات بشروط بوتين، تبدو إمكانية انطلاقها بعيدة المنال حتى الآن.

بوتين يبدأ الحديث عن المفاوضات

وذكر تقرير لقناة "سي إن إن" الأمريكية أن بوتين أعاد التأكيد على رغبته في إنهاء الحرب في تصريح له يوم الأحد الماضي، مبديا استعداده للجلوس إلى مائدة المفاوضات مع جميع الأطراف التي تعرض حلولا مقبولة.

وتأتي تصريحات بوتين في وقت يشتد فيه القصف الصاروخي الروسي على شبكة الطاقة الأوكرانية، لتكثيف الضغط عليها مع دخول أشهر الشتاء قارسة البرودة في أوروبا، كما تأتي بعد أشهر من محاولات بوتين المستمرة تقويض سيادة أوكرانيا على أراضيها، لذا رفضت أوكرانيا ومن ورائها الولايات المتحدة والغرب عرض بوتين ولم يأخذوه على محمل الجد.

ولا يعني ذلك رفض أوكرانيا المطلق الانخراط في محادثات سلام، حيث قال وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا الاثنين الماضي إن بلاده منفتحة على التفاوض بوساطة الأمم المتحدة وفي مقرها بحلول فبراير المقبل، شريطة أن تُحاكَم روسيا أمام محكمة جرائم حرب.

ورغم ذلك لا يبدو الأمر بهذه البساطة، فحسابات الخبراء القديمة قد تغيرت، فالصراع الذي اعتقدوا أنه سينتهي في غضون أيام أو أسابيع امتد إلى حرب طاحنة استمرت لشهور، وبدلا من غلبة الرأي القاطع بانتصار روسيا في البداية، مالت موازين القوى نسبيا لصالح أوكرانيا وتجدد أملها في تحقيق النصر، وأصبحت أكثر إصرارا على رفض أي صيغة للسلام تتضمن شكلا من أشكال النصر لبوتين.

مع من يتفاوض بوتين؟

ولم تختلف تصريحات بوتين في عيد الميلاد عن معظم خطاباته السابقة طوال الحرب، تجنب الإشارة المباشرة إلى أوكرانيا باعتبارها الطرف الآخر الرئيسي في أي عملية سلام خلال حديثه عن استعداده للتفاوض، بل أعاد التأكيد على أن روسيا هي التي تدافع عن نفسها بما يسميه "عملية عسكرية خاصة"، وأشار إلى أن المفاوضات المحتملة ستكون مع الغرب، وهو ما يعكس نظرته لأوكرانيا باعتبارها مجرد بيدق غربي بلا سيادة حقيقية.

وكما كان الحال منذ بداية الحرب، تأتي التصريحات النارية لكبار رجال الدولة الروسية لتناقض النبرة التصالحية الغامضة لبوتين، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الاثنين الماضي إنه يتعين على كييف أن ترضخ لمطالب موسكو بنزع سلاح الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، مكررا اتهامات روسيا التي تذرعت بها لتبرير حربها ضد أوكرانيا بدعوى رعايتها للنازية.

ودعا لافروف إلى القضاء على التهديدات للأمن الروسي التي تنطلق مما وصفه بـ"أراضينا الجديدة" في إشارة للأقاليم الأوكرانية الأربعة التي ضمتها روسيا بشكل غير شرعي بموجب استفتاء صوري في سبتمبر الماضي، محذرا من أن الجيش الروسي سيتحرك لدرء تلك التهديدات ما لم توقفها كييف قبل فوات الأوان، ومؤكدا على أن إنهاء الصراع بيد واشنطن، وكرر الإشارة إلى كون أوكرانيا دمية في يد الولايات المتحدة.

ولم يتفاعل مسئولو كييف مطلقا مع دعوة بوتين للتفاوض، وقد قال ميخايلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تغريدة له على موقع تويتر الأحد الماضي، إن على بوتين النزول إلى أرض الواقع، متهما روسيا بعدم الجدية في الدعوة للتفاوض في الوقت الذي تواصل فيه هجومها على الأوكرانيين، وبمحاولة التنصل من مسئوليتها عن جرائمها بحقهم، وأكد بودولياك أن أوكرانيا ماضية في سعيها لتقديم روسيا للمحاكمة.

هل تسمع واشنطن لبوتين؟

ويتسق موقف الولايات المتحدة مع الموقف الأوكراني، حيث قال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي خلال مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، إن بوتين لم يبد أي  استعداد حقيقي للتفاوض وإنهاء الحرب، وإن كل أفعاله تعكس رغبته في مواصلة العنف ضد الشعب الأوكراني.

ومن غير المرجح أن ينظر الكرملين للمفاوضات باعتبارها مخرجا حقيقيا من الأزمة في المستقبل القريب، ورغم ذلك يرى خبراء أن الأمل في حلحلة الوضع يكمن في قدرة روسيا على إقناع الغرب بالحديث عن التفاوض، بينما يرى آخرون أن بيان بوتين في عيد الميلاد هو جزء من حملة إعلامية مكثفة ومتعمدة لكسب الوقت وتضليل الغرب كي يضغط على أوكرانيا لتقديم بعض التنازلات.

ومن جانبه قال المستشار الاقتصادي لزيلينسكي ألكسندر رودنيانسكي إن الحرب المفاجئة كانت خطأ فادحا للروس، وإنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت لإعادة تجميع صفوفهم وبناء قواتهم، وأضاف أن استراتيجية الكرملين حاليا تتركز على منع الغرب من إرسال المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وأنه يتعين على كييف وحلفائها أن يتنبهوا لهذا الفخ.

وعلى مدار عشرة أشهر منذ بدء الحرب، دعمت الدول الأعضاء في حلف الناتو أوكرانيا بقوة، وقدمت لها الدول الغربية مساعدات عسكرية وإنسانية تقدر بمليارات الدولارات، ويحاول بوتين شق الصف الغربي المتحد لدعم أوكرانيا، وقد يتمكن من تحقيق هذا الهدف إذا ترك الغرب أمر التفاوض معه في يد زيلينسكي منفردا، كما يرجح أن تؤدي أي صفقة بين زيلينسكي وبوتين إلى خفض المساعدات العسكرية الغربية لكييف.

الحرب على الأرض

وتشير التطورات الميدانية على الأرض إلى تفوق أوكراني نسبي على الجبهتين الشرقية والجنوبية، دفع الروس للتراجع وأنعش آمال الغرب في انتصار أوكرانيا، وجعل قبولها لصفقة تقسم أرضها مستحيلا، وقد قال زيلينسكي إنه يبحث مع مستشاريه إمكانية التفاوض دون الاتفاق على هدنة.

وكان زيلينسكي عرض مبادرة سلام من 10 نقاط على قادة العالم خلال قمة العشرين التي عقدت في إندونيسيا في نوفمبر الماضي، وتتضمن المبادرة ضمان الأمن النووي والغذائي ومحكمة خاصة لجرائم الحرب الروسية ومعاهدة سلام مع موسكو، كما حث هؤلاء القادة على إجبار روسيا على وقف تهديدها النووي ووضع سقف لأسعار مصادر الطاقة الواردة منها، ولفت زيلينسكي خلال خطابه أمام الكونجرس إلى تأييد الرئس الأمريكي جو بايدن لهذه الخطة، كما أكد على التمسك بكامل الأراضي الأوكرانية وعلى نيته مواصلة السعي لانضمام بلاده للناتو.

وبناءً على المعطيات السابقة، لا إمكانية حتى الآن لبدء مفاوضات تفضي لإنهاء الصراع الذي قد تحسمه تطورات الوضع في ساحة المعركة، ويستعد طرفيه لاحتمالية إطالة أمده واشتداد أواره، وتعكس زيارة زيلنسكي إلى واشنطن (وهي زيارته الخارجية الأولى منذ بدء الحرب) عزمه الاستمرار في مطالبة حلفائه بمزيد من الدعم، وهو ما أكد بايدن نيته التركيز عليه بالتعاون مع الأوروبيين خلال الفترة القادمة حتى يتحقق النصر لأوكرانيا.