الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فأتوا بسورة من مثله.. هل وقع التحدي بالقرآن أم بأنه صدر من نبي أمي؟

ما معنى فأتوا بسورة
ما معنى فأتوا بسورة من مثله؟

ما معنى فأتوا بسورة من مثله؟، وهل وقع التحدي بالقرآن أم بأنه صدر من نبي أمي؟ سؤال يشغل ذهن الكثيرين وأجابه الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط.

ما معنى فأتوا بسورة من مثله؟

وقال العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، قد جاء في قوله تعالى (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) هل وقع التحدي بالقرآن أم بأنه صدر من نبي أمي لأنه سمع بعض العلماء يذكر الرأي الثاني ؟، إن في قوله تعالى ( فأتوا بسورة من مثله ) قولان الأول ﺃﻱ: ﺑﺴﻮﺭﺓ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ اﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭﺣﺴﻦ اﻟﻨﻈﻢ، أما الثاني ﻗﻴﻞ: اﻟﻀﻤﻴﺮ ﻟﻌﺒﺪﻧﺎ، ﻭﻣﻦ ﻟﻹﺑﺘﺪاء ﺃﻱ: ﺑﺴﻮﺭﺓ ﻛﺎﺋﻨﺔ ﻣﻤﻦ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﺑﺸﺮا ﺃﻣﻴﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺮﺃ اﻟﻜﺘﺐ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻌﻠﻮﻡ.

وأشار إلى أن الراجح هو اﻟﻮﺟﻪ اﻷﻭﻝ ﺃﻭﻟﻰ ﻷﻧﻪ اﻟﻤﻄﺎﺑﻖ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ ﻳﻮﻧﺲ: {ﻓﺄﺗﻮا ﺑﺴﻮﺭﺓ ﻣﺜﻠﻪ} (ﻳﻮﻧﺲ، 38) ﻭﻟﺴﺎﺋﺮ ﺁﻳﺎﺕ اﻟﺘﺤﺪﻱ، ﻭﻷﻥ اﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰﻝ ﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺤﻘﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻨﻔﻚ ﻋﻨﻪ ﻟﻴﺘﺴﻖ اﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﻭاﻟﻨﻈﻢ ﺇﺫ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﺇﻥ اﺭﺗﺒﺘﻢ ﻓﻲ ﺃﻥ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻓﺄﺗﻮا ﺑﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻪ، ﻭﻷﻥ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﻟﺠﻢ اﻟﻐﻔﻴﺮ ﺑﺄﻥ ﻳﺄﺗﻮا ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺃﺗﻰ ﺑﻪ ﻭاﺣﺪ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎء ﺟﻨﺴﻬﻢ ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺪﻱ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻟﻴﺄﺕ ﺑﻨﺤﻮ ﻣﺎ ﺃﺗﻰ ﺑﻪ ﻋﺒﺪﻧﺎ ﺁﺧﺮ ﻣﺜﻠﻪ، ﻭﻷﻧﻪ ﻣﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻗﻞ ﻟﺌﻦ اﺟﺘﻤﻌﺖ اﻹﻧﺲ ﻭاﻟﺠﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻮا ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻻ ﻳﺄﺗﻮﻥ ﺑﻤﺜﻠﻪ} (اﻹﺳﺮاء، 88)، ﻭﻷﻥ ﻋﻮﺩ اﻟﻀﻤﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺪﻧﺎ ﻳﻮﻫﻢ ﺇﻣﻜﺎﻥ ﺻﺪﻭﺭﻩ ﻣﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺘﻪ ﻭﻻ ﻳﻼﺋﻤﻪ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻭاﺩﻋﻮا ﺷﻬﺪاءﻛﻢ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ اﻟﻠﻪ}، ﻓﺈﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻣﺮ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮا ﺑﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻨﺼﺮﻫﻢ ﻭﻳﻌﻴﻨﻬﻢ ﺳﻮاء ﻛﺎﻥ ﻣﺜﻠﻪ ﺃﻡ ﻻ.

قال تقي الدين السبكي رحمه الله: قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله}. قال الزمخشري {من مثله} متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله وليس مراده التعلق الصناعي، لأن الصفة إنما تتعلق بمحذوف، وقد صرح هو به، أو مراده أنه لا يتعلق بقوله: {فأتوا} ثم قال: والضمير لما نزلنا أو لعبدنا قال الشيخ الإمام: الأحسن عندي أن يتعلق بعبدنا، وإن علق بما نزلنا فيكن بالنظر إلى خصوصيته فيشمل صفة المنزل في نفسه والمنزل عنه، وإنما قلت ذلك لأن الله تعالى تحدى بالقرآن في أربع سور، في ثلاث منها بصفته في نفسه فقال تعالى: {لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} وقال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} وقال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله} والسياق في ذكر القرآن من حيث هو هو ولذلك لم يذكر في هاتين الآيتين لفظة {من} المحتملة للتبعيض ولابتداء الغاية، فتركها يعين الضمير للقرآن.

هل وقع التحدي بالقرآن أم بأنه صدر من نبي أمي؟

وفي سورة البقرة لما قال: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} قال: {فأتوا بسورة من مثله} فتكون {من} لابتداء الغاية، والضمير في مثله للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون قد تحداهم فيها بنوع آخر من التحدي غير المذكور في السور الثلاث، وذلك أن الإعجاز من جهتين إحداهما من فصاحة القرآن وبلاغته وبلوغه مبلغا تقصر قوى الخلق عنه، وهو المقصود في السور الثلاث المتقدمة المتحدي به فيها، والثانية إتيانه من النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب، وهو المقصود المتحدى به في هذه السورة، ولا تمتنع إرادة المجموع كما قدمناه، فإن أراد الزمخشري بعود الضمير على {مما نزلنا} المجموع بالطريق التي أشرنا إليها فصحيح، وحينئذ يكون ردد بين ذلك وعود الضمير على الثاني فقط وإن لم يرد ذلك فما قلناه أرجح.

ويعضده أنه أقرب، وعود الضمير على الأقرب أوجب، ويعضده أيضا أنهم قد تحدوا قبل ذلك وظهر عجزهم عن الإتيان بسورة مثل القرآن، لأن سورة يونس مكية، فإذا عجزوا عنه من كل أحد فهم بالإتيان بمثله ممن لم يقرأ ولم يكتب أشد عجزا فالأحسن أن يجعل الضمير لقوله: {عبدنا} فقط وهذان النوعان من التحدي يشتملان على أربعة أقسام، لأن التحدي بالقرآن أو ببعضه بالنسبة إلى من يقرأ ويكتب وإلى من ليس كذلك والتحدي بالنبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى مثل المنزل، وإلى أي سورة كانت فإن من يكتب لا يأتي بها فصار الإتيان بسورة من مثل النبي صلى الله عليه وسلم ممتنع كانت من كاتب قارئ أم من غيره. فظهر أنها أربعة أقسام؛ ثم قال الزمخشري ويجوز أن تتعلق بقوله: {فأتوا} والضمير للعبد.

قال الشيخ الإمام: هذا صحيح وتكون {من} للابتداء، ولم يذكر الزمخشري على هذا الوجه احتمال عود الضمير على ما نزلنا، ولعل ذلك لأن السورة المتحدى بها إذا لم يوجد معها المنزل عليه لابد أن يخصص بمثل المنزل كما في سورتي هود ويونس فإذا علقنا الضمير هنا في سورة البقرة بقوله: {فأتوا} وعلقنا الضمير بالمنزل كانوا قد تحدوا بأن يأتوا بسورة مطلقة ليست موصوفة ولا من شخص مخصوص؛ فليست على نوع من نوع التحدي فإن قلت {من} على هذا التقدير للتبعيض فتكون السورة بعض مثله يقتضي مماثلتها، قلت المأمور به السورة المطلقة و{من} يحتمل أن تكون لابتداء الغاية، وإن سلم أنها للتبعيض فالمماثلة إنما يعلم حصولها للسورة بالاستلزام، فلم يتحدوا ولم يؤمروا إلا بها من حيث هي مطلقة لا من حيث إن مقتضاه الاستلزام من المماثلة فإن المماثلة بالمطابقة في الكل المبعض لا في البعض، فإن لزم حصولها في البعض فليس من اللفظ. وبهذا يعرف الجواب عن قول من قال: ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا، وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة؟ فنقول: الفرق بينهما ما ذكرناه، فإن المأمور به بخصوصه في الثاني سورة مطلقة من حيث الوضع وإن كانت بعضها من شيء مخصوص.