أكدت دار الإفتاء المصرية أن الإسلام حث على دوام المودة والرحمة بين الزوجين حتى بعد انتهاء الحياة الزوجية بوفاة أحدهما، موضحة أن بر الزوجة بعد وفاتها أمر مشروع تؤيده نصوص السنة النبوية، وأن التصدق عنها من الأعمال التي تصل ثوابها إلى الميت وينتفع بها.
وقالت دار الإفتاء إن الله تعالى جعل الرابطة الزوجية من أوثق الروابط الإنسانية، حيث قال سبحانه في كتابه الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، مضيفة أن هذه المودة لا تنقطع بالموت، بل تظل قائمة في صورة وفاء وبر ودعاء، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].
وأوضحت الإفتاء أن الشريعة الإسلامية لم تمنع الزوج من الإحسان إلى زوجته بعد وفاتها، بل جاءت النصوص النبوية لتؤكد ذلك من خلال مواقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، حيث كان عليه الصلاة والسلام يكثر من ذكرها بخير، ويكرم أقاربها وصديقاتها إكرامًا لها.
واستشهدت الإفتاء بما روته السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، مؤكدة أن هذا يدل على امتداد المودة والوفاء بحق الزوجة بعد موتها.
كما بيّن الإمام النووي أن تصرف النبي الكريم يجسد حسن العهد وحفظ الود، وأن ذلك من مظاهر الإيمان والخلق الرفيع.
وأضافت دار الإفتاء أن من صور البر أيضًا إكرام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصدقاء السيدة خديجة رضي الله عنها، حيث كان يبعث إليهم بالهدايا ويزورهم وفاءً لذكراها، واستغفاره لها ودعاؤه المتكرر بالرحمة والمغفرة، وهو ما ورد في أحاديث متعددة تؤكد أن الوفاء بين الزوجين يمتد إلى ما بعد الموت.
وأشارت الإفتاء إلى أن التصدق عن الزوجة المتوفاة من أعظم صور البر المشروع، مستدلة بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم، مؤكدة أن الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بثوابها بإجماع العلماء.
ونقلت دار الإفتاء عن عدد من الأئمة تأكيدهم على هذا الحكم، فقال الإمام الزيلعي الحنفي: إن الإنسان يجوز له أن يجعل ثواب عمله لغيره من صلاة أو صوم أو حج أو صدقة أو تلاوة قرآن أو ذكر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه.
كما قال الإمام ابن عبد البر المالكي إن العلماء أجمعوا على جواز الصدقة عن الميت، وهو ما أكده كذلك الإمام النووي الشافعي والإمام البهوتي الحنبلي، مبينين أن كل عمل صالح يُهدى ثوابه للميت يناله بإذن الله.
وبناءً على ما سبق، أكدت دار الإفتاء أن بر الزوجة بعد وفاتها يشمل الثناء عليها وذكرها بخير، والدعاء لها، والاستغفار عنها، والتصدق نيابة عنها، أو أداء أي عمل صالح يُهدى ثوابه لروحها، مشيرة إلى أن ذلك من مظاهر الوفاء والخلق الكريم الذي دعا إليه الإسلام، ومن سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تحث على حفظ الود ورعاية العشرة حتى بعد الوفاة.



