الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثعلبة بن عبدالرحمن.. شاهد امرأة عارية فمات رجاء في رحمة الله.. ومشى الرسول على أطراف أصابعه في جنازته لكثرة الملائكة

صدى البلد

يعتبر ثعلبة بن عبد الرحمن رضي الله عنه من شاب الصحابة، كان غلاما لم يتجاوز عمره ست عشرة سنة، يكثر من الجلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان النبي إذا أراد شيئاً من أحد أصحابه أرسله فيها.
أخلاقه
مر ثعلبة بببت رجل من الأنصار، وكان باب المنزل مفتوحاً، فلما نظر إلى هذا الستار فأتت الريح ثم حركت الستر.. فإذا وراء الستر امرأة تغتسل، كأنه نظر إليها نظرة أو نظرتين، ثم قال أعوذ بالله، رسول الله يرسلني في حاجاته وأنا أنظر إلى عورات المسلمين، والله لينزلن الله في آيات، وليذكرني الله تعالى مع المنافقين، ثم خشي أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم..
التكفير عن المعصية
وخاف ثعلبة أن يرجع إلى منزله ثم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه، فهام على وجهه ما يدرون أين ذهب.. انتظره النبي صلى الله عليه وسلم فمازال ينتظر، وينتظر فلم يأتِ بعد.. قال "يا عمر يا سلمان... أين ثعلبة بن عبدالرحمن؟" قالوا: يارسول الله لعله عرض له حاجة فانتظره.. فما زال صلى الله عليه وسلم ينتظر اليوم واليومين فلم يأتي ثعلبة.. فقال صلى الله عليه وسلم يا عمر يا سلمان.. اذهبا فابحثا عنه في المدينة "... ذهبا وبحثا ثم عادا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قالا يا رسول الله.. بحثنا عنه في المدينة.. في طرقها واسواقها وبساتينها.. في كل مكان.. فما وقفنا له على أثر.. لعله ذهب يميناً أو لعله يأتي اليك بعد حين.
النبي والصحابة يبحثون عنه
فمضت الأيام والنبي صلى الله عليه وسلم يتلمس خبره ويتأمله.. ثم لما لم يرجع إليه بخبر عنه قال "يا عمر يا سلمان.. يا فلان يا فلان.. اذهبوا فابحثوا عنه في الفلوات.. ابحثوا عنه في الصحراء... فمضى الصحابة الأخيار يبحثون عنه في الفلوات.. فبينما هم يمشون ينظرون في الصحراء إذ وقفوا على جبال بين مكة والمدينة، وأخذوا ينظرون في الآثار التي حولها، فإذا بأعراب يرعون لهم في أسفل هذه الجبال، فلما رأى أحد أولئك الأعراب الصحابة ينظرون في الآثار "أماكن الأقدام" سألهم: عن ماذا تبحثون؟ قالوا: نبحث عن فتى من صفته كذا وكذا.
فقال ذلك الأعرابي: لعلكم تبحثون عن الفتى البكاء؟ قال عمر: والله ما ندري عن بكائه لكن ما خبر هذا الفتى؟ قال الأعرابي: إن في سطح هذا الجبل شاب.. منذ أربعين يوماً لا نسمع إلا بكاءه وعويله واستغفاره.. قال عمر فمتى ينزل.. وكيف السبيل إليه؟ قال إنه ينزل إذا غربت الشمس، فيأتي إلينا فنحلب له مزقة لبن فيشربها، يخلطها بدمعه وبكائه، ثم يصعد في الجبل مرة أخرى.
فاختبأ له عمر وسلمان ومن معهما من الصحابة وراء صخرة، فما زالوا يترقبونه، فلما قاربت الشمس الغروب ثم غربت نزل فإذا هو كأنه فرخ منتوف بال من شدة البكاء، نزل منكس الرأس كسير الفؤاد دامع العينين، يجر خطاه على الأرض حزناً وذلاً، أتى حتى وقف عند اولئك الاعراب ولم يرَ الصحابة وقف عند الأعراب ثم قربوا له ذلك اللبن، فلما قربه إلى "فمه" بكى ثم تجرع منه شيئاً يسيراً.
ثم وضعه على الأرض، ثم قام يجر خطاه يصعد إلى الجبل، فخرج له عمر وبدر له سلمان، فلما رآهما فزع وقال: ما تريدون مني؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبك، قال ذكرني الله تعالى في المنافقين؟ قالوا ما ندري، لكنه -صلى الله عليه وسلم يطلبك- ، قال يا قوم ارحموني واتركوني أموت في سفح الجبل، قالوا له: لا والله ما نتركك، فما زال بهم يتمنع عنهم وما زالوا به يجبذونه حتى حملوه إلى المدينة، وهو يبكي بين أيديهم.
عودة ثعلبة إلى البيت
أرجع الصحابة الغلام إلى بيته واضجعوه على فراشه، ومضى عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد وجدنا ثعلبة قي سفح جبل بين مكة والمدينة، قال: أين هو؟" قال: يا رسول الله هو ذاك في منزله، إن شئت أن تأتيه فافعل.
مضى النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى بيت ثعلبة، حرك صلى الله عليه وسلم الباب ليدخل فإذا هو مطرح على فراشه كأنه جلد بالي، فلما سمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت وما يكاد يستطيع، قال يا رسول الله انزل الله فيّ آيات؟ قال "كلا".. قال: ذكرني الله مع المنافقين؟ قال "كلا"، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وتربع جالساً بجانب ثعلبة، ثم حمل صلى الله عليه وسلم رأس ثعلبة ووضعه على فخذه الشريفة صلى الله عليه وسلم، فبكى ثعلبة وقال يا رسول الله ابعد رأسي من على فخذك.. قال "كلا فبكى ثعلبة واشتد بكاؤه، فقال صلى الله عليه وسلم "يا ثعلبة ما ترجو؟ قال: أرجو رحمة ربي.. قال "ومما تخاف؟ قال أخاف من عذاب الله وقال "وماذا تؤمل"؟ قال آمل مغفرة الله تعالى.. فقال صلى الله عليه وسلم إني لأرجو الله أن يعطيك ما ترجو وأن يؤمنك مما تخاف".
إن الموت قادم
بكى ثعلبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويرجيه في ربه تعالى، ثم تحامل ثعلبة على نفسه وقال: يا رسول الله أني أشعر بدبيب كدبيب النمل يدب بين لحمي وعظمي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أو تجد ذلك يا ثعلبة"؟ قال نعم.
قال صلى الله عليه وسلم "ذاك الموت قد نزل بك ثم تشهد ثعلبة ولقنه النبي -صلى الله عليه وسلم- الشهادة.. فمازال يرددها بلسانه حتى انتفض جسده الضعيف ثم مات، فلما مات مشى النبي -صلى الله عليه وسلم- في جنازته على أطراف أصابعه بسبب كثرة الملائكة التي كانت بالجنازة.