الدستور أولا .. سيناريو حرق مصر

ها نحن قد عدنا سريعا إلى نقطة البداية بعد 14 شهرا من الارتباك والتشتت.
وها هو المجلس العسكري يلمح انه لن يجري الانتخابات الرئاسية قبل اصدار الدستور ليعرف الرئس المنتخب صلاحياته.
وها هى القوى التي اتهمت سابقا كل من نادى بالدستور أولا ترحب بالفكرة ، الأمر الذي يستدعي التأمل قليلا في مغزاها وتوقيتها وتداعياتها.
من حيث المبدأ العام ، كان المفترض بعد نجاح الثورة في اسقاط رأس النظام ان نحدد معالم الطريق وملامح المرحلة الانتقالية وتوقيتها وأهدافها بكل دقة وأكبر توافق وطني من القوى الفاعلة في الثورة والظهير الشعبي التي ساندها وأيدها وقدم من أجلها دمائة وعيونه قربانا لتحرير مصر من قبضة عصابة جثمت فوق صدرها ثلاثة عقود ، ولم تكن تجارب التحول الديموقراطي في كل الدول التي مرت بثورات مشابهة للثورة المصرية بعيدة،والمعادلة كانت سهلة ومضمونة وتتطلب ثلاثة مسارات، الأول انتخاب أو اختيار لجنة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والمهنية لكتابة دستور توافقي يؤسس للجمهورية الثانية ، دستور يحترم الحريات العامة والمرجعية الإسلامية للدولة ، تحدد فيه السلطات الرئاسية ويخضع فيه الرئيس للمحاسبة ، دستور يضمن استقلال كامل للقضاء ، ورقابة حقيقية من البرلمان على السلطة التنفيذية ، دستور يلغي أبدية السلطة ويمهد الطريق لتداول سلمي حقيقي للسلطة يكون الشعب فيه هو السيد ، الثاني : تشكيل مجلس رئاسي عسكري مدني لإدارة المرحلة الانتقالية بالتوافق ، الثالث: تعيين حكومة كفاءات وطنية مهمتها الرئيسة إعادة الامن المفتقد وإدراة دفة الاقتصاد وتلبية الاحتياحات اليومية للشعب .
المسار كان واضحا ، لكن وحدها كانت جماعة الإخوان المسلمون ثم التحق بها تيارات واسعة من السلف ، رأت ان الفرصة الذهبية التي انتظرتها منذ العام 1928 جاءت أسرع وأيسر مما تخيلتها ، فراحت بانتهازية سياسية واضحة تعقد التحالفات لنيل غنائم " غزة الميدان" ، وسريعا تركت هذا الميدان ، ولاحقا أرادت سحب شرعيته ، ثم خونته وصمتت على تشويهه.
هرول تيار الإسلام السياسي بسرعة مدهشة بعد نجاحه المضلل في "غزوة الصناديق" لاكتساب نصر سريع في الجولة الثانية وطالب باجراء انتخابات لمجلسي الشعب والشورى دون ان يعرف أحد بأي صلاحيات سيأتي المجلسان ، ولاي مدة ووفق أي قانون ، ولم تشغل تلك الأسئلة بالهم كثيرا ، فالهدف هو السيطرة السريعة على مقدرات السلطة التشريعية وبعدها سوف يتساقط بقية التفاح من فوق الشجرة.
تخلى الإخوان فجأة عن كل أصدقائهم وتحالفتهم التي ساهمت في اسقاط مبارك ، وباتو على مسافة واسعة مع قوى الثورة والتيار المدني ، والقوا بأنفسهم في احضان المجلس العسكري وكنف السلف ، مستندين على قاعدة الأغلبية الوهمية ، معتقدين- خطأ أو جهلا- انها تعني تفويضا على بياض لفعل أي شئ .
وبالإعلان عن اللجنة التأسيسية للدستور وضحت تماما خطة " التكويش والتطويع "، "تكويش" على جميع مراكز صنع القرار ،
و"تطويع" الدستور لصالح الجماعة ، ليأتي ترشيح خيرت الشاطر ليكمل فصول الاستحكام والاستعلاء .
الان عاد المشهد للارتباك ، وعاد المجلس العسكري ليلقي ببالون تأجيل الانتخابات ، وخرج متحدثون غير رسمين باسمه نذروا أنفسهم للتحدث والدفاع عن السلطة – أي سلطة – ليمروا سيناريو تأجيل الانتخابات لحين وضع الدستور ، ثم يكملوا الغاية من السيناريو وهو الالتزام بتسليم السلطة في موعدها .. لمن ؟
هذا هو السؤال المعلوم اجابته بالضرورة ، ستسلم السلطة لرئيس توافقي لمدة عام أو عامين ، وبالطبع هذا الرئيس هو المشير شخصيا أو الفريق سامي عنان .
وما نتوقعه ان يقبل تيار الإسلام السياسي بمعظم تكويناته " الخطة البديلة "مقابل الحصول على بعض المغانم ، وأهمها ان يصبح الشاطر رئيسا للورزاء ، وساعتها سيجد الاخوان لانفسهم المبرر السياسي للقبول ، (قبلنا من أجل المصلحة الوطنية) .
ان هذا السيناريو العبثي ، لن يزيد المشهد المرتبك تعقيدا فحسب ، لكنه سيدخل البلاد في نفق مظلم وهوة سيحقة لا ناجي منها وان ضمن الاغلبية والحكومة ، انه ببساطة سيناريو حرق مصر.