نحو منظومة متكاملة لمحاربة الفساد في مصر

كنت قد كتبت منذ قرابة العام رسالة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نشرت في عدد من وسائل الإعلام، طالبته وقتها بضرورة التصدي بقوة وبحسم للفساد ، وأكدت له وقتها أن مصر بحاجة ملحة لمحاربة الفساد، وأنه أإن كان يريد الحفاظ على ظهيره الشعبي من التآكل عليه أن يقوم بثورة حقيقية على الفساد بكافة أشكاله وصوره.
وفي رأيي أن الإرهاب هو احد النتائج الحتمية للفساد وغياب العدالة الاجتماعية ، وهو سبب مستتر وكامن لاندلاع الثورات التي يمكن أن يتم ركوبها من قبل عدة قوى استخباراتية لها أذرع في الداخل للاندساس وسط الانتفاضات الشعبية المناهضة للفساد للانقضاض على الدولة برمتها ، ونأتي للسؤال الأهم هنا : هل هناك إرادة حقيقية لدى المسئولين في مصر للتصدي للفساد ؟ وإن كانت هذه الإرادة متواجدة فهل لديهم الجرأة للتصدي له خاصة أن منظومة الفساد في مصر تنمو وتتفحل داخل مؤسسات الدولة.
والحق أقول أن النظامين السابقين اللذين اسقطهما الشعب المصري العظيم بثورتين كانت أيديهما مرتعشة بل ومكبلة في التصدي للفساد الذي كان يعشش في مؤسسات الدولة وما زال ، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الانظمة التي سقطت كانت شريكا رئيسيا في صناعة الفساد ، ومتواطئة مع المفسدين ومشاركة بالصمت مع تحالفات اقتصادية مرعبة تتآمر على قوت ومقدرات شعبنا العظيم.
وكان الفساد هو أحد أخطر وأهم الأسباب التي دفعت الجماهير للخروج الى الميادين والشوارع لاسقاط هذه الانظمة ، فثورات الشعوب الحرة كانت ولا تزال وستظل دائما ثورات ضد سياسات فاسدة ومنظومات مستبدة اكثر مما هي ثورات على اشخاص ، وستظل الثورات قائمة ومستمرة إن لم يتم تغيير هذه السياسات ونسف هذه المنظومات نسفا.
فتغيير الوجوه أو الحكام لن يوقف الشعوب الحرة أو المناضلة عن ثوراتها إن لم تتغير السياسات ، ولن يقال عن ثورة شعبية أنها نجحت فعليا إن لم تصل هذه الثورة إلى عمق ومفاصل مؤسسات الدولة.. وإذا تحدثنا عن الفساد في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، فلسوف نجد أن الرجل دائما يتكلم وبنبرة حاسمة وحادة عن ضرورة محاربة ومحاسبة الفساد ، ويتم بالفعل برغم هذا الكم المرعب من الفساد ، ملاحقة فاسدين وتقديمهم للعدالة أو تقديم أكباش فداء لفاسدين كبار في ظل تعتيم مطبق من الحكومة وفرض سياج محكم من السرية على بعض القضايا الكبرى بحظر النشر فيها.
وما زال الرئيس يحاول وفي رأيي باخلاص لمحاربة الفساد ، ولكن لا يمكن للرئيس أن يحارب الفساد بالتصريحات أو الوعود البراقة أو بموجب هذه القوانين التي تعتبر شريكا في الفساد بل واحيانا محرضا عليه، وإن كان الرئيس السيسي جادا في محاربة الفساد فعليه أن يبدأ من الآن في وضع منظومة واستراتيجية محكمة في هذا الشأن.
والفرصة ما زالت سانحة امام الرئيس الآن وأرى انها فرصة ذهبية عليه أن يقتنصها بقوة قبل فوات الآوان وتتمثل هذه الفرصة في الظهير الشعبي الداعم له والذي سيساند كل قراراته في هذا الشأن وصولا لهذه الاستراتيجية ، ويجب أن ترتكز هذه الاستراتيجية أو المنظومة على عدة نقاط ؛ أولها حماية المبلغين عن الفساد في المصالح الحكومية ، بل ومكافأتهم ، لأن سببا رئيسيا من اسباب تغول الفساد الحكومي هو تهديد وملاحقة المبلغين عن الفساد.
والنقطة الثانية تتطلب نسف منظومة القوانين التي عفا عليها الزمن التي تعتبر شريكا في صناعة الفساد لانها تسمح ببيع موارد الدولة ومقدراتها بأبخس الاسعار لامبراطوريات وتحالفات اقتصادية ومحتكرين وهي اسعار خمسينات القرن الماضي.
ثالثا مطلوب أيضًا وضع قانون صارم يجرم كافة اشكال وصور الفساد المالي والإداري في الحكومة ، بحيث يغلظ العقوبة ضد من يتورطون في اهدار موارد الدولة سواء بالمشاركة أو الصمت أو التواطؤ أو عبر وسطاء تابعين لهم.
رابعا من الضروري سن تشريع عاجل يضمن محاسبة المسئولين الحكوميين البارزين سواء رئيسا أو رئيس وزراء أو محافظا وهو في السلطة في حالة اتهامه او تورطه في قضية فساد سواء كان هذا الفساد ناجما عن سوء اختيار لمسئولين فاسدين أو لضلوعه في فساد او لتسهيله عمليات فساد عبر وسطاء تابعين له ، وذلك بعيدا عن ما نراه من تمثيليات يقدم فيها اكباش فداء بدلا من المسئولين الكبار.
فكثير من القوانين في مصر تضبط كل يوم متلبسة في دعم وصناعة وترسيخ قواعد الفساد ، وتحصين الفاسدين لكي يفلتوا من المساءلة والمحاسبة ، وإن تمت محاسبتهم فتكون العقوبة بفضل هذه القوانين غير رادعة ولا تتناسب مع جسامة الجريمة ، وهو الامر الذي يؤدي لغياب الردع العام لكل من تسول له نفسه المساس بقوت ومقدرات هذا الشعب ، خامسًا وهو الاهم في رأيي ابعاد التجار عن السلطة.
فمن الكوارث التي تساهم في تغول منظومة الفساد في مصر تعيين تجار في السلطة كوزراء أو رؤساء وزراء، وتعيين المسئول استنادا إلى مبدأ الثقة دون الكفاءة وهو ما يجعل من هؤلاء المسئولين أكثرا ولاء لمن عينوهم، وخداما للمتحالفين معهم وليس خداما للشعب.
سادسا ، يجب تأسيس مجلس أعلى للشفافية ومناهضة الفساد تابع لرئاسة الجمهورية مباشرة.
سابعا؛ يجب اتاحة الشفافية في تداول المعلومات لوسائل الإعلام ، فالإعلام هو أحد أهم وأخطر الاسلحة التي تعري الفاسدين وتفضح المتاجرين بقوت شعبنا ويجب أن يكون هناك قانون لتداول المعلومات بعيدا عن التعتيم الذي نراه والذي يعتبر ايضا احد اهم اسباب الفساد.
ثامنا ؛ يجب أن تكون هناك شفافية في المناقصات الحكومية الخاصة بمشروعات الدولة وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص أمام جميع الشركات ، ومقاومة الفساد الكامن في بعض المناقصات والمزايدات وغيرها.
تاسعا ً ؛ يجب استحداث محاكم متخصصة لجرائم الفساد يستتبعها نيابات متخصصة على اعلى قدر من الكفاءة والنزاهة والشفافية لسرعة الفصل في جرائم الفساد الحكومي تحقيقا للردع.
أما البند العاشر والاخير وصولا لتحقيق هذه المظومة هو تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في تعيينات الحكومة بحيث يكون هناك مساواة كاملة أمام المتقدمين مع تجريم لكل وسائل الفساد في مسابقات التعيين بالحكومة ، وتغليظ القوانين في هذا الشأن ، خاصة أن هناك وظائف يتم توريثها وتظبيطها للابناء أو الأقارب أو المحاسيب أو بالرشاوى.
وأقولها للرئيس السيسي : اضرب بيد من حديد وكلنا معك ، فثورتك الحقيقية يجب أن تكون ضد الفساد ويجب أن تصل هذه الثورة إلى مؤسسات الدولة وصولا لدولة القانون والعدالة الاجتماعية والقضاء على السياسات الاحتكارية التي تذبح فقراء شعبنا .
فعندما يشعر المسئول أيا كان أنه أصبح هناك فرق بين جيبه وخزينة الدولة ، نستطع أن نقول ان مصر نجحت في محاربة الفساد ، وعندما نرى الوزراء واعضاء البرلمان خادمين للشعب بحق دون أي ميزة اضافية نستطيع أن نقول أن مصر تحارب الفساد ، وعندما نرى اللصوص والمتآمرين على قوت ومقدرات شعبنا والمتحالفين معهم من بعض الفاسدين في الحكومة خلف القضبان سندرك أن الثورة بالفعل وصلت لمفاصل مؤسسات الدولة.
[email protected]
مصر
تسول
الري
البرلمان
الخروج
حماية
ضبا
السيسي
العيد
ضبط
الصناعة
الرقابة
درة
الكومي
علام
الدعم
العين
الرئيس السيسي
رئيس الوزراء
الملا
الرئيس عبد الفتاح السيسي