مادة الدين في المدارس بين الإلغاء والإبقاء!

جدل شديد مثار على الساحة المصرية الآن حول تدريس مادة الدين الإسلامي والمسيحي في المدارس، فهناك من يطالبون بإلغاء مادة الدين من المدارس، وهناك من يطالبون بضرورة الإبقاء عليها، وهناك من يطالبون بوجود مادة باسم "الأخلاق"، ومن المؤكد أن لكل فريق مبرراته التي يستند إليها من واقع تجاربه في هذا الأمر.
وفي رأيي أن إلغاء تدريس مادة الدين في المدارس جريمة تستهدف تغييب النشء وتغريبه عن دينه، في وقت يتم فيه الآن غزو العالم العربي والإسلامي بأفكار مضادة ومشوشة وصولا لهذا الغرض، كما أنه يجب أن لا ننكر ويكون لدينا الجرأة لمواجهة واقعنا السيئ وتجاربنا الأسوأ في تدريس مادة الدين في مصر.
حيث كانت ولا زالت بعض موضوعات التربية الدينية الإسلامية تتسم بالعنصرية والطائفية بل وصل الأمر إلى وجود موضوعات لا تعترف بالآخر المختلف من أبناء الوطن من المسيحيين، وتحض على كراهية وقتال البشر، في تحدِ صارخ لتعاليم الإسلام السمحة ونصوص القرآن الكريم وتعاليم الرسول التي تحض، وتؤكد على قيم العدل والمساواة والسلام واحترام الإنسان وحماية النفس البشرية وعصمة الدم الإنساني كله بلا استثناء.
كما أن تدريس مادة الدين المسيحي في المدارس كانت هي الأخرى مأساة بل وجريمة عنصرية، حيث كان يتم عزل الطلاب المسيحيين في حصة الدين المسيحي، ويأخذوا حصتهم في حوش المدرسة أو أمام الحمامات وبين طرقات المدارس، وهو ما يعد جريمة تمييز مكتملة الأركان، تعطي صورة ذهنية للطالب غير المسيحي بأنه أعلى منزلة وشانا ومكانة من الطالب المسيحي، وتخلق إحساسا مؤلما لدى الطالب المسيحي والمدرس المسيحي بأنه أقل شأنًا.
والحق أقول إن وزارة التربية والتعليم تعتبر من أخطر الوزارات التي تؤثر سلبا وإيجابا على الأمن القومي ووحدة المصريين ومتانة النسيج الوطني، الذي هو حائط الصد الذي تمتلكه الدولة المصريات وقت الأزمات للدفاع عن مصر وجيشها ووحدتها وشرطتها ويجب أيضا أن تكون حائط صد ضد التطرف الذي اخترق مناهج المدارس، واخترق مادة التربية الدينية الإسلامية وهو تطرف لا يمت للإسلام وسماحته بصل، ولو ترك دون تدخل واعي وحاسم ستنشأ أجيال تربت على التمييز والكراهية والقتل والدم بسبب الفهم الخاطئ لتعاليم الدين وبسبب الاختراق المتشدد لمادة الدين من قبل تيارات أصولية ومتطرفة قامت بوضع المادة دون مراعاة لأبعاد الأمن القومي وأصول الدين الصحيح.
فهولاء التلاميذ لو تربوا على هذه المناهج سيكونوا داعشيون جدد في المستقبل ومشاريع مصغرة لإرهابيين قادمين، وقنابل موقوتة في وجه الوطن، وأنني أرى أنه يجب أن يكون على رأس وزارة التربية والتعليم رجل من المخابرات المصرية ومستشار له من الأزهر الشريف، وخاصة الأصوات المستنيرة وغير المخترقة في الأزهر، ومستشار للوزير في مادة الدين المسيحي.
والكلام عن إلغاء مادة الدين من المدارس هزل ولكن يجب أن تكون هناك مادة ولتكن باسم "المعاملات في الإسلام والمسيحية" على أن يقوم بوضع المنهج رجال من الأزهر الشريف المشهود لهم بالوسطية، وأيضا رجال من الكنيسة، كما يجب أن يكون مدرس المادة مؤهلًا ومعتدلًا ومشهودا له بالوطنية والنزاهة وحسن السيرة، على أن يتم تدريس موضوعات تتعلق بالمعاملات الإنسانية والقيم الأخلاقية والفضائل المشتركة في كل دين، ويدرس المادة الطالب المسيحي والمسلم معا ليعرف كل منهما القيم المشتركة بين كل دين مثل السلام والعدل والتسامح والمحبة والتعامل مع المختلف في الدين والجنس واللغة والجنسية، وأيضا توضيح المعنى الحقيقي للجهاد في الإسلام والمسيحية من القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه السلام بعيدًا عن الأراء الفقهية المتطرفة التي تسيء للإسلام.
كما يجب تدريس نظرة الإسلام والمسيحية للعلم والمرأة والمعاملات التجارية والحكومات والجيش والشرطة، والرق، والزواج، ودور المسلم والمسيحي في خدمة الوطن في الحروب والأزمات التي واجهت مصر بشكل مبسط إلى غير ذلك من الموضوعات الهامة، مثل دور العبادة في الأديان ونظرة الأديان لها وواجب المواطن تجاهها من منظور إسلامي مسيحي، فكل هذه الموضوعات تخلق أجيالا قوية واعية بحقيقة الدين، فتصحيح الخطاب الديني التعليمي يجب أن يتم بالتوازي مع تصحيح الخطاب الديني في الإعلام والمساجد والكنائس، لإغلاق أي منفذ على دعاة التطرف لإسقاط مصر بالفتنة الطائفية والتفتيت.
وأتذكر مرة أنني في عام 2007 كنت في حوار مع المرحوم الشيخ الداعية يوسف البدري في منزله فقال لي "زمان أنا كنت بأدرس دين مسيحي في المدرسة" ومحدش كان بيستغرب لأنه كان هناك تسامح، وبالتالي يجب الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية ووزارة التربية والتعليم بل ومجلس النواب أن تأخذ ببعض ما جاء في هذا المقال من رؤى وأفكار وتزيد عليه أو تحذف منه كما ترى، وذلك حفاظا على مصر ووحدتها وأجيالنا القادمة وحفاظا على صورة الإسلام السمح الذي يزج به المتطرفون والإرهابيون والقتلة كل يوم وهو برئ من جرائمهم وإرهابهم.. فهل تنتفض الحكومة المصرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان؟!.