- فيلم "الفتوة" عام 1957 تصدرت الشاشة عبارة لجأ إليها المخرج صلاح أبو سيف ليضمن بها عرض فيلمه
- فيلم "البريء" استخدم عبارة "هذا العمل لا يمثل الواقع" ولكنه تعرض للمنع من العرض
- فيلم "سمك لبن تمر هندي" استخدم المخرج أسلوبا جديدا بظهور أبطاله في أول الفيلم بالتحذير والتنبيه
على مدار تاريخ صناعة السينما فى مصر، عانى الكثير من منتجي الأعمال الفنية من مقص الرقيب والفرمانات التي كانت تصدر من الرقابة على المصنفات الفنية بإصدار قرار بحظر عرض الفيلم أو تعرض العمل الفني للتشويه بقص العديد من مشاهده، وبالتالي لجأ المنتجون إلى حيل فنية، حيث تصدرت أعمالهم لوحة مكتوب عليها "أحداث الفيلم لاعلاقة لها بالواقع، وأي تشابه هو من قبيل المصادفة أو محض خيال الكاتب ليس أكثر".
لم تكن هذه اللوحات جديدة ووليدة هذا الزمن الذي كثر فيه طرح الأعمال الفنية التي تتسم بالجرأة، ولكنها قديمة قدم ظهور الرقابة وتدخلها في عرض الأعمال الفنية من عدمه.
"صدى البلد" يرصد من خلال التقرير التالي حيل وأساليب المنتجين من أجل تمرير وعرض أعمالهم.
فيلم "الفتوة" للمخرج صلاح أبو سيف عام 1957
خمسينات القرن الماضي شهدت إنجازا كبيرا في مواجهة مقص الرقيب، فقد قام مخرج الواقعية صلاح أبو سيف بإخراج فيلم "الفتوة" عن قصة للفنان فريد شوقي، وشاركه في كتابة السيناريو الفنان محمود المليجي والسيد بدير والأديب نجيب محفوظ.
وفاجأ أبو سيف الجميع بأن تصدرت أحداث الفيلم لوحة كتب عليها "وقعت أحداث القصة أيام كانت فئة قليلة تتحكم بأرزاق الناس وأقواتهم"، وبرر الجميع موقف أبو سيف بأنه تحاشى أن يوصف الفيلم بأنه إسقاط على حكم "الضباط الأحرار" وما يمثلونه من سلطة وسطوة في البلاد، حيث كان بطل الفيلم (زكي رستم) إمبراطورا يتحكم في سوق الخضار ويحدد أرزاق البائعين فيه.
فيلم "البريء" للمخرج عاطف الطيب عام 1986
مع تطور الأحداث في المجتمع المصري، كان لابد من أن يلاحق ذلك تطور أساليب مواجهة الرقابة، ففي تطور آخر لأشكال التحايل على مقص الرقيب، اختار المخرج عاطف الطيب أن تتصدر فيلم "البريء" للكاتب وحيد حامد لوحة كتب عليها "وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر".
ومع هذا التحايل، إلا أن الفيلم واجه أزمة عنيفة انتهت بتشكيل لجنة عليا ضمت وزراء الداخلية والدفاع والثقافة، وقررت حذف مشاهد من ضمنها مشهد النهاية، ولم يفرج عن عرض الفيلم إلا بعد 19 عاما يوم قرر وزير الثقافة آنذاك فاروق حسني عرضه بالنهاية الأصلية في مهرجان السينما لتكريم بطل الفنان الراحل أحمد زكي، وكان ذلك عام 2005.
فيلم "سمك لبن تمر هندي" عام 1988
ابتكر المخرج رافت الميهي أسلوبا جديدا لمواجهة الرقابة، فلم يكن تقليديا بل حاول أن يجذب الجمهور بطريقة جديدة للإقبال على مشاهدة الفيلم، وفي نفس الوقت ضمن بها التحايل على مقص الرقيب.
بدأ فيلم "سمك لبن تمر هندي" عام 1988 بظهور البطل محمود عبد العزيز وهو يواجه الكاميرا منفردا قائلا: "قبل ما نبتدي أحب أحذركم، إن إحنا ما عندناش حودايت وماتحاولوش تفهموا أي حاجة لأننا ما بنقصدش أي حاجة"، وإمعانا في التشويق والتحايل أيضا لحقته الفنانة معالي زايد وهي تقول بحسم: "يعني الحكاية تمثيل في تمثيل".
فيلم "معالي الوزير" للمخرج سمير سيف عام 2002
هذا الفيلم الذي كتب قصته الكاتب وحيد حامد تخلله العديد من المواقف والأحداث التي تعكس كواليس اختيار الحكومة لوزرائها، وبالتالي أصبح وثيقة للجمهور يعرف بها كيف يتم اختيار وزراء الحكومة.
وحتى يضمن المخرج تمرير هذا العمل والبعد عن تشويه مقص الرقيب، تطرق إلى حيلة يضمن بها عرض الفيلم، حيث تصدرت الأحداث عبارة "هذا العمل لا يمس للواقع بصلة بل أحداثه من محض خيال الكاتب".
ورغم هذا التحذير، إلا أن الفيلم ثارت حوله الكثير من التكهنات عن اختيار هذا الوزير والذي اشتهر إعلاميا بـ"وزير الصدفة".
فيلم "طير انت" عام 2009
مع تغير مناخ الحرية التي شهدتها البلاد وتنامي أسلوب عرض الأفلام بحرية، اختفت تلك اللوحات التي كانت وسيلة للخلاص من ملاحقة مقص الرقيب، وبالتالي انعكس ذلك على انتعاش حرية الفكر والإبداع، لدرجة أن البعض استبدل تلك اللوحات القديمة بلوحات جديدة مبتكرة المضمون كتب عليها "أي تشابه بين الأحداث أو الشخصيات هو تشابه مقصود".
وابتكر المخرج الشاب أحمد الجندي عام 2009 نبرة التحدي الجديدة عندما تصدر فيلمه "طير انت"، الذي قام ببطولته الفنان أحمد مكي والفنانة دنيا سمير غانم بلوحة على الشاشة كتب فيها "أي تشابه بين أحداث الفيلم والواقع.. مصلحة".