الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عيوب أنفية


يقولون إن رجلًا حكيما جمع كل من فى بلدته في احتفاله بعرس ابنه وعندما وصلوا إلى بيت الحكيم كلهم متجمعين صغيرا وكبيرا شيوخا واطفال نساء وفتيات قام الحكيم باغلاق منافذ المدينة ومخارجها وأصدر حكمه عليهم بالبقاء معا إلى يوم يحدده هو، وعبثا حاولوا أن يخرجوا من مكان اعتقالهم وعبثا ايضا جاءت محاولتهم معرفة اسباب هذا القرار .

مضى يوم تلاه أسبوع وأكمل شهرا وأهل المدينة كلهم فى حيرة من أمرهم ولكنهم يوما بعد يوم استطاعوا أن يتكيفوا مع واقع المصير الواحد والرضا بهذه العزلة الاجبارية ..والغريب ان الحكيم لم يخرج من مقر اقامته ولم يتابع تحركاتهم وجها لوجه ولكنه كان على علم بها من خلال حاشيته واعوانه .

فى بادىء الامر ظهر البعض متعاليا رافضا ان يتساوى مع العامة التى ردت عليهم برفضها ان تقوم بدور خدمى واصرارها على التساوى معهم نظرا لان الظروف واحدة ، ومع مرور الوقت وحاجة كل منهم للاخر استطاعوا ان يتخطوا هذه الازمة لتبدأ اخرى وهى تنظيم اوقات حياتهم بين العمل والترفيه واستطاعوا بعد طول نقاش واختلاف واتفاق ان يعبروا مشاكلهم ويتوصلوا لاسلوب التخصص وان يقوم كل منهم بعمل يتقنه ويجيده .
وهكذا استطاعوا ان يتأقلموا ويعبروا جملة مشاكل بدت فى اول الامر عصية عليهم متمردة الحل.انتظمت بهم الحياة واستقرت واصبحوا يعيشون فى بيت الحكيم الذى لم يروه منذ اجبارهم على العيش فى هذا المكان ولحكمة لايعرفوها.بعد عام من احتجازهم وبعد ان اصبحت حياتهم معتادة ونظامهم اليومى موضح وواضح لكل من على ظهر بريتهم اطل عليهم الحكيم وعندما ظهر لهم لم يطلبوا منه ان يفك اسرهم ويطلقهم ليعودوا من حيث جاءوا بل كان مطلبهم الوحيد هو ان يقول لهم سبب ماقام به وهنا قال لهم الحكيم انهم مصابون بالعيوب الانفية ، وعندما سمعوا هذه الجملة ردوا عليه كلهم او معظمهم بتقصد الجيوب الانفية ياحكيمنا ؟ فنفى ماقالوه وقال لهم لا اقصد ماسمعتموه جملة وتفصيلا ، فقد اصابكم مرض التدخل فى شئون غيركم وتتبع اخبار جيرانكم واصدقاءكم بل واهليكم ايضا..اصبحت حياتكم كلها تبدأ بالحديث بالصواب او الخطأ عن ماذا عرفتم عن فلان ،وهل تدرون ماذا صنعت جارتنا ؟ وهل تصدقون حال صديقنا ؟ ومن منكم علم لماذا طلق فلان زوجته؟ ومن لم يعلم لماذا قتل جارنا ابيه ، وكيف يتسلل احدنا الى جارته ليخون صديقه فى زوجه ...
اصبحت انوفكم مدسوسة فيما لايعنيكم ،واصبحتم تتحسسون وتتلصون على غيركم لالهدف سوى ان تصبح مادة للحديث ووسيلة لتضييع الوقت ،صرتم امة مأسوف عليها كل همها جمع المزيد من الذنوب والمعاصى ،كبرت انوفكم وتعاظمت واصبحت تسبقكم الى كل الاماكن وتخترق اكثر الخصوصيات ،اصبحت لانفكم شياطين تسعد وتبتهج برمى المحصنات وقتل الابرياء ورجم الشرفاء ،اصبحت انفكم تسعى ليل نهار على المجاهرة بالمعصية وبث روح البغضاء والكراهية بين مجتمعكم الذى انقسم الى شقين شق يشى وشق ينتظر ان يوشى به.
وفى ظل ذلك اصبحت حياتكم بلا هدف وصار عطاءكم شحيحا واصبحت ملذاتكم شرهة تلتهم كل ماهو صواب وحق ، ولذا فقد استلزم علىّ اصلاح حالكم وكان الحل يكمن فى جمعكم جمعا فى مكان مواجهة تخشون فيه من انفسكم فمن تحدث على الاخر لم يستطع ان يهرب من المواجهة وربما من الخوف بان ينتهج المثل من طريقة القول بالذم والافشاء والمجاهرة .
كنت اتابعكم وارى مدى تخليكم عن هذا المرض وشفاءكم منه ،وكم كنت سعيدا عندما وجدت انكم قد اصبحتم شعبا منتجا لاثرثارا وبلغت سعادتى عنان السماء عندما علمت ان العمل جعل منكم امة لاتجد وقتا للغيبة والنميمة ، وايضا ادركت ان طريقتكم فى تنظيم اوقاتكم قربتكم من الله الذى وضح لكم الهدف من خلقكم وبمعرفتكم ذلك اخلصتم لله واخذكم الخوف منه للبعد عن كل مايغضبه
وصمت الحكيم وهو يقول لهم داووا امراضكم باقتلاع انفكم من بيوت غير بيوتكم ..ويقولون من قص لنا هذه الحكاية ان الحكيم فتح كل منافذ بلدته ومخارجها وشعبه عاد كما كان وعادت امراضهم تستشرى وصارت العيوب الانفية تعود اليهم ولم ينفع معها اى دواء ولاطب ولاحكماء...

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط