الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم بن أدهم.. إمام الزاهدين


هو إبراهيم بن أدهم أبو إسحاق إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي ويقال التميمي، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثاني الهجري، من أهل بلْخ في أفغانستان.

سيرته في الزهد والتصوف كانت ولا تزال مثالًا نادرًا في التاريخ الإسلامي كله، بسبب خوفه الشديد من الله وتقربه منه سبحانه وتعالى بسيرة طاهرة، قل أن توجد الا بين العبّاد العظام.. لذلك عاشت على مر الأزمان زادًا لكل الراغبين في الزهد عن الدنيا والتقرب إلى ما عند الله في الآخرة.

مواقفه وكلماته عاشت بين الجميع، كنموذج للعبادة وترك الدنيا ومفاسدها والتطلع إلى ما عند الله.

كان إبراهيم بن أدهم، من أبناء الملوك والمَياسير. خرج متصيدًا، فأثار ثعلبا واذا هو في طلبه، هتف به هاتف من قربوس سرجه: "والله! ما لهذا خلقت!، ولا بهذا أمرت!". فنزل عن دابته، وصادف راعيًا لأبيه، فأخذ جبته فلبسها، وأعطاه ثيابه وقماشه وفرسه وترك طريقته، في التزين بالدنيا، ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع. وخرج إلى مكة، وصحب بها سفيان الثوري، والُفضيل بن عِياض. ودخل بلاد الشام فكان يعمل فيها، ويأكل من عمل يده.

ومن لحظتها أصبحت حياة إبراهيم بن أدهم مثالًا في العفاف والزهد والورع.

كان عامة دعائه، رحمه الله "اللهم انقلني من ذلِّ معصيتك إلى عزِّ طاعتك".

وقيل له مرة "إن اللحم قد غلا" فقال:"أرخصوه أي: لا تشتروه وأنشد في ذلك: وإذا غلا شيء عليَّ تركته، فيكون أرخص ما يكون إذا غلا".

وقال إبراهيم بن أدْهم لرجل في الطواف: "أعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات: أولها: تغلق باب النعمة، وتفتح باب الشدَّة. والثانية: تغلق باب العزِّ، وتفتح باب الذلِّ. والثالثة: تغلق باب الراحة، وتفتح باب الجهد. والرابعة: تغلق باب النوم؛ وتفتح باب السهر. والخامسة: تغلق باب الغنى، وتفتح باب الفقر. والسادسة: تغلق باب الأمل، وتفتح باب الاستعداد للموت".

وسئل إبراهيم بن أدهم – ذات مرة- لم لا تخالط الناس؟ فقال: «إن صحبت من هو دوني آذاني بجهله، وإن صحبت من هو فوقي تكبر علي، وإن صحبت من هو مثلي حسدني، فاشتغلت بمن ليس في صحبته ملل ولا في وصلة انقطاع ولا في الأنس به وحشة".

ومن بين كلماته "الفقر مخزون في السماء، يعدل الشهادة عند الله، لا يعطيه إلا لمن أحبه".

فهو لم يكن رحمه الله يتمنى الفقر وقد كان غنيا وترك ثروة أبيه الطائلة، ولكنه كان عفيفًا زاهدًا ترك الغنى بمحض إرادته وتقرب إلى الله بعبادة صادقة وورع يسكن القلب ليل نهار.

قال إبراهيم بن أدهم "على القلب ثلاثة أغطية: الفرح، والحزن، والسرور. فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، والحريص محروم. وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط، والساخط معذب. وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل. ودليل ذلك قول القرآن الكريم: "لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم".

وقال أيضا "قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع".

من مواقفه العظيمة –رحمه الله– أنه كان مرة يمشي في سوق بالبصرة فاجتمع إليه الناس فقالوا: يا إبراهيم بن أدهم "ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا، والله تعالى يقول: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ". فقال: «يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. قرأتم القرآن ولم تعملوا به. ادعيتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته. ادعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه. ادعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها. ادعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم. قلتم الموت حق ولم تستعدوا له. اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم. دفنتم الأموات ولم تعتبروا. أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها".

وكان يقول رحمه الله "ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا".

قال رجل لإبراهيم بن أدهم "إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء". فقال: "لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".

ومن بين أقواله الكبرى الخالدة "إذا كنت بالليل نائما وبالنهار هائمًا وفي المعاصي دائمًا فكيف تُرضي من هو بأمورك قائمًا؟".

وقال "إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك وتب إلى ربك ينبت الورع في قلبك واقطع الطمع إلا من ربك.

على مدى السنين، كانت سيرة إبراهيم بن أدهم ولا تزال، مثالًا في العبادة والورع والزهد، وكان كثير التفكر والصمت، بعيدًا عن حب الدنيا، وما فيها من شهرة وجاه ومال، حريص على الجهاد في سبيل الله لا يفتر عنه. وكان برغم زهده يدعو إلى العمل والجد فيه وإتقانه، ليكون كسبًا حلالًا. ولذلك أعرض عن ثروة أبيه الواسعة، وعما كان يصيبه من غنائم الحرب وآثر العيش من كسب يده. وحصد إبراهيم في المزارع عشرين دينارًا ودخل إلى أذنة ومعه صاحب له. فأراد أن يحلق ويحتجم؛ فجاء إلى حجام، فحقره الحجام وصاحبه، وقال: «ما في الدنيا أحد أبغض إلي من هؤلاء! أما وجدوا غيري!» فقضى شغل غيرهما، وأعرض عنهما. ثم قال: «أي شيء تريدان» فقال ابرهيم: «أحتجم واحلق». ففعل به، وأما صاحبه فقال له: «لا أفعل ذلك!» لتهاونه بهما، ثم أعطاه إبراهيم الذي كان معه، فقال له صاحبه: «كيف ذاك!» فقال: «اسكت لئلا يحتقر فقيرًا بعده".

ركب ابراهيم بن أدهم مرة البحر مع اصحابه فهاج وماج واشتدت عليهم أمواجه وأصبح الجميع ينتظرون الموت في أي لحظة، فلف رأسه في عباءة ونام. فأيقظه بعض أصحابه وقالوا "أما ترى ما نحن فيه من الشدة!" فقال: "ليس هذا شدة! الشدة الحاجة إلى الناس". ثم قال: "اللهم! أريتنا قدرتك، فأرنا لطفك" وارتفعت الغمة ونجا من كانوا في البحر.

قال ذات مرة: "لو أن العباد علموا حب الله عز وجل، لقل مطعمهم ومشربهم، وملبسهم وحرصهم، وذلك أن ملائكة الله أحبو الله فاشتغلوا بعبادته عن غيره، حتى أن منهم قائمًا وراكعًا وساجدًا، منذ خلق الله الدنيا، ما التفت أحدهم عن يمينه وشماله، اشتغالًا بالله تعالي وبخدمته".

كما كان يقول رحمه الله: "إن من عرف نفسه اشتغل بنفسه، ومن عرف ربه اشتغل بربه عن غيره".

كان إبراهيم شديد الحنين إلى وطنه. فمن أقواله لأصحابه: "عالجت العبادة فما وجدت شيئًا أشد عليَّ من نزاع النفس إلى الوطن" كما روي عنه قوله: "ما قاسيت فيما تركت شيئًا أشد علي من مفارقة الأوطان".

وذات مرة أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم.. فقال:

يا شيخ: إن نفسي تدفعني إلى المعاصي فعظني موعظة؟

فقال له:
إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه.. ولا بأس عليك، ولكن لي إليك خمسة شروط، قال الرجل:

هاتها، قال إبراهيم بن أدهم: إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه!

فقال الرجل: سبحان الله.. كيف أختفي عنه.. وهو لا تخفى عليه خافية!

فقال إبراهيم بن أدهم: سبحان الله.. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك.. فسكت الرجل.

ثم قال: زدني!

فقال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فلا تعصه فوق أرضه.

فقال الرجل: سبحان الله.. وأين أذهب.. وكل ما في الكون له!

فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله .. وتسكن فوق أرضه؟

قال الرجل: زدني!

فقال إبراهيم بن ادهم: إذا أردت أن تعصي الله.. فلا تأكل من رزقه.

فقال الرجل: سبحان الله.. وكيف أعيش.. وكل النعم من عنده!

فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله.. وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ عليك قوتك؟

قال الرجل: زدني! فقال إبراهيم بن أدهم:

فإذا عصيت الله.. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار فلا تذهب معهم!

فقال الرجل: سبحان الله.. وهل لي قوة عليهم.. إنما يسوقونني سوقًا!

فقال إبراهيم بن أدهم: فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك.. فأنكر أن تكون فعلتها!

فقال الرجل: سبحان الله.. فأين الكرام الكاتبون.. والملائكة الحافظون.. والشهود الناطقون

ثم بكى الرجل ومضى.. وهو يقول: أين الكرام الكاتبون.. والملائكة الحافظو.. والشهود الناطقون.

توفي إبراهيم بن أدهم سنة 162 هجرية وهو مرابط مجاهد في إحدى جزر البحر المتوسط، ولما شعر بدنو أجله قال لأصحابه: أوتروا لي قوسي. فأوتروه. فقبض على القوس ومات وهو قابض عليها يريد الرمي بها، وقيل إنه مات في حملة بحرية على البيزنطيين، ودفن في مدينة جبلة على الساحل السوري، وأصبح قبره مزارًا، وأقيم في موضع وفاته مسجد سمي جامع السلطان إبراهيم وهو أهم مساجد جبلة اليوم.

رحم الله إبراهيم بن أدهم ونفعنا بسيرته وعفافه وطهّره وورعه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-